مقالات

أبعد من قاعدة عسكرية صينية في الإمارات

مضى أكثر من أربع سنوات على غياب، ولي عهد أبوظبي، الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، عن واشنطن، وهي مدة طويلة للساسة العرب عموما، وخصوصا في الخليج. وهو ما أوحى بأزمة صامتة وبرودة العلاقة بين الحليفين، خصوصا بعد أن بلغت أوجها في عهد إدارة ترامب. قد تحل الأزمة ويعود الدفء، وقد تبقى بانتظار تغير الإدارة الأميركية. المدخل الكلاسيكي عربيا لحل المشكلات مع الإدارات الأميركية هو البوابة الإسرائيلية، والاتفاقات الإبراهيمية وقعت في هذا السياق. وفي الأسبوع الماضي شوهد مبعوث الإدارة الأميركية لشؤون المناخ، جون كيري، يرعى اتفاقية مزرعة الطاقة الشمسية وتحلية المياه بين الأردن وإسرائيل والإمارات. وعلى أهمية التحالف مع الصهاينة في أميركا والغرب، إلا إن هذا وحده ليس كافيا على ما يبدو لعودة درجة حرارة العلاقات كما كانت. توصل الإمارات رسائل مفادها أن الصين حليف أفضل من أميركا، فهي بلاد مستقرّة سياسيا في نظام ديكتاتوري لا تتغير تحالفاته، ومليء ماليا ويقارب حجم اقتصاده الاقتصاد الأميركي. وتعلم أنها لا تستطيع، حتى في أيام ترامب، الجمع بين تحالف مع أميركا وآخر مع الصين، عدوها الأول. لكنها وسيلة ضغط قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، في الأسبوع الماضي، عن توقف بناء منشأة سرية صينية في الإمارات، بعد ضغط أميركي. وفي اتصال هاتفي أجراه الرئيس بايدن مع محمد بن زايد، أعرب عن قلقه بشأن الوجود الصيني المتزايد في الإمارات، وأنه يخشى أن يكون لنشاط الصين تأثير “ضارّ على الشراكة”. وردّ بن زايد بأنه سمع السيد بايدن “بصوت عال وواضح”، وفقًا لمسؤولين تحدّثوا للصحيفة التي ذكرت أن “تلك المحادثة تركت المسؤولين الأميركيين غير متأكدين مما إذا كان الإماراتيون ملتزمين بإبقاء الصين خارج البلاد”. وقال مطلعون إن المسؤولين الأميركيين والإماراتيين أجروا مناقشات عديدة حول قضية ميناء خليفة في وقت سابق من هذا العام. ثم في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، أثناء زيارته أبو ظبي، قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، وكبير مساعدي الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، عرضًا تفصيليًا حول الموقع الصيني، حسبما قال مطلع على الأمر. عاد ماكغورك للقاء ولي العهد، وأجرى الأميركان، أخيرا، تفتيشا للموقع.

قبلها كان وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، في دمشق، وبموضوع له علاقة بالصين، فبحسب مصادر مطلعة على مباحثاته مع بشار الأسد، فإنها ركزت على فرصة لربط خط الصادرات الصيني بالموانئ السورية على المتوسط. فبعد اتفاق الإمارات المبدئي مع حكومة مصطفى الكاظمي في العراق على تأهيل ميناء الفاو بالتنسيق مع الصين، ستصل البضائع الصينية من جبل علي وغيره إلى العراق، وتجد طريقها إلى أوروبا عبر سورية وموانئ المتوسط أو عبر تركيا. والإمارات تفضّل سورية على تركيا. وفي حال تعذر نجاح الخط السوري بسبب عقوبات قيصر، والتحفظ الأميركي، قد تكون تركيا بديلا، وهذا جزء من القضايا التي طرحت في زيارة محمد بن زايد، أمس الأربعاء، تركيا، المنزعجة لأسبابها من إدارة بايدن. .. فوق ذلك، في وقت تضغط الولايات المتحدة والعالم بأجمعه على الصين بخصوص ملف المسلمين الإيغور، كشفت وسائل إعلام غربية عن منشأة تحقيق صينية في الإمارات مع المسلمين الإيغور.

قد يؤدي التحالف مع الصين إلى غضب أميركي على الحليف الإماراتي، خصوصا أن المحاكم الأميركية لا تزال في معركة مفتوحة مع إرث ترامب، الذي لا يزال يشكل تحدّيا عميقا للإدراة الديمقراطية وللديمقراطية عموما في أميركا. وفي قضية توم باراك، المنظورة في المحاكم الأميركية، وهي قضية تمس الأمن القومي الأميركي، يظهر بوضوح اسم الحاكم الفعلي للإمارات، وقبلها اعتقل مستشاره جورج نادر، ولا تعرف المعلومات التي قدمها بخصوص الدور الإماراتي في التدخل الروسي في انتخابات 2016 الرئاسية.

في النهاية، تسعى الإمارات، على الرغم من ذلك كله، إلى استخدام ورقة الصين وغيرها لاستعادة مكانتها لدى الإدارة الأميركية، وهي تسعى إلى بناء تحالف بضمانة الكونغرس، بحيث لا يتضرّر بتغير الإدارات. وتكتب “وول ستريت” في العدد نفسه، الذي كشف قصة المنشأة الصينية السرية: “تسعى الإمارات إلى الحصول على اتفاق استراتيجي مع واشنطن من شأنه أن يضمن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عنها إذا تعرّضت للهجوم” وتضيف أنه “في السنوات الأخيرة، شكّكت دول الخليج العربية التي ترى تهديدًا من إيران، في مدى قوة الالتزام الأميركي”. ويقول مسؤولون خليجيون إنهم شاهدوا الولايات المتحدة تحول تركيزها إلى آسيا، وتزايدت المخاوف بعد الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان.

هل تريد التعليق؟