مقالات

الحراك الأردني في 24 آذار

خرج الأردنيون من الربيع العربي بنقابة المعلمين، أكبر نقابة في بلدهم، وهو ما عجزوا عن تحصيله في عز التحوّل الديمقراطي عام 1989. لكن هذا المنجز فرّطت الدولة به، وتحولت النقابة إلى ملف أمني قضائي. ولم يبق من الربيع العربي غير ذكرى 24، اليوم الذي فضّت فيه قوات الأمن بالقوة اعتصاما لشباب الحراك الأردني على “دوار الداخلية” في العاصمة عمّان.

أمس، انشغلت البلاد بذكرى الحراك، وسبقتها حملاتٌ على منصّات التواصل الاجتماعي بين شبابٍ متحمّس لإحياء الذكرى مجدّدا بمطالبها ودولة متوجّسة من عودة الربيع الأردني في ظل ظروفٍ غير مسبوقة، تمر بها البلاد في ظل جائحة كورونا، واضطراب إقليمي شمالا وجنوبا وغربا وشرقا.

يختلف الحراك هذه المرة عمّا حصل قبل عقد، فقد كان الشباب الأردني وقتها مسحورا بأحلام الربيع العربي، واعتقد أنه قادرٌ على تحقيق الإصلاح السياسي في البلاد من خلال “ثورة إصلاحية”، تسعى إلى تحقيق مطالب عملية لا إسقاط النظام. اليوم، فقد الحراك زخمه في ظل تراجع الأوضاع في الإقليم، وانتصار الثورات المضادة في غير بلد. تُضاف إليهما هواجس من “المعارضة الخارجية”، وهم مجموعة من الشباب المعارض الذين تتهمهم السلطات بارتباطاتٍ خارجية، وهي نفسُها التهم التي وجّهت للحراكيين في الداخل قبل عقد. واعتبر مسؤولون حكوميون أن ما جرى يومها في “دوار الداخلية” كان مؤامرة خارجية مرتبطة بمشروع جماعة الإخوان المسلمين.

لم يكن هناك وقتها معارضون في الخارج، وكان سقف الحراكيين تحت رحمة قوانين محكمة أمن الدولة الأردنية. اليوم يوجد عشرات الناشطين في أميركا وأوروبا الغربية يتحرّكون بلا سقف. ومع ذلك، لم تصدر عنهم دعواتٌ إلى إسقاط النظام، وإنما صدرت دعواتٌ إلى حكوماتٍ منتخبةٍ وملكيةٍ دستوريةٍ، وردّدها حراكيون في الداخل. وهي دعواتٌ تعبّر عن جهل بالدستور الأردني الذي لم يطبق غير مرّتين في تاريخ الأردن، في حكومة سليمان النابلسي عام 1956 والحكومات التي تشكلت في أثناء مجلس النواب الحادي عشر (مضر بدران وطاهر المصري وزيد بن شاكر). وفي تاريخ الأردن، ألّف كتاب واحد عن الدستور الأردني، للدكتور عادل الحياري، وهو كالدستور لا تقرأه الحكومة ولا المعارضة. ولو فُعّل الدستور، حتى بدون التعديلات، لكان كافيا، فالعبرة في التطبيق لا في النصوص. في صدر الدستور “نظام الحكم نيابي ملكي”، فلماذا ينصّ على حكومة برلمانية؟ أيهما أشمل “النظام” أم “الحكومة”، ولماذا قدّمت “نيابي” على “ملكي” في دستور 1952 عكس ما جاء في دستور 1946؟

لا أفهم كيف يمكن أن يُفرض رئيس حكومة على مجلس النواب من خارج أكثرية هذا المجلس.  أي رئيس حكومة يمثل حزب الأكثرية. هذا ما حصل عندما طبقنا الدستور في حكومتي سليمان النابلسي العام 1956 ومضر بدران العام 1989، فكلاهما لم يفز شخصيا في انتخابات، إلا أنهما عبّرا عن رأي الأكثرية. ولو أراد الإخوان المسلمون تشكيل الحكومة العام 1989 لشكّلوها، ولكنهم اختاروا أن يطبقوا برنامجهم، وهو ما التزمت به الحكومة. وبعد استقالة حكومة بدران، شكّل طاهر المصري حكومة نيابية منتخبة، أي حائزة على ثقة مجلس النواب المنتخب. وعندما وقعت عريضة من أكثرية النواب حجبا للثقة فيها استقال، قبل أن تعقد جلسة لطرح الثقة. الأمر الذي أكّد أنّ الشرعية هي للمجلس المنتخب.

من حيث الشكل، كل الحكومات منتخبة، حتى حكومة بشر الخصاونة الأخيرة نالت ثقة المجلس المنتخب، لكنها في الواقع لم تكن تعلم شيئا عن تكليفه ولا عن فريقه، وحصل على الثقة وفق الطريقة التي تحصل عليها الحكومات منذ 1993، العام الذي تم فيه حل مجلس النواب بطريقة غير دستورية، وصدر قانون انتخاب غير دستوري، وجرت انتخابات غير نزيهة وفق قانون غير نزيه.

منذ تأسيس البلاد قبل مائة عام وهي ملكية دستورية، تجري فيها انتخابات، والعلاقة تعاقدية على قاعدة “لا ضرائب بدون تمثيل”، فالدولة مموّلة من جيب المواطن، وهي ليست دولة ريعية. المهم أن يكون التمثيل بناء على قانون انتخابات دستوري، أي قانون ما قبل 1993، والأهم انتخابات نزيهة. وفوق ذلك كله، يحكم الملك من خلال وزرائه، ولا صلاحيات له منفردة، و”أوامر الملك الخطية والشفوية لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم”.

كل المطلوب في المئوية الثانية للدولة تطبيق الدستور بشكل متساو من المواطن والدولة. وهذا ليس بحاجةٍ لحراك ولا ضغوط داخلية ولا خارجية. هذه مصلحة الدولة تماما كما هي مصلحة المواطن. والحراك في النهاية لا يشكل خطرا على الدولة، وستمر ذكرى “24 آذار” كما تمرّ كل عام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *