أخبار

سد النهضة على أجندة السيسي في واشنطن

توجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الأميركية واشنطن للمشاركة في قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا، التي تنطلق اليوم الثلاثاء وتستمر حتى 15 ديسمبر/ كانون الأول الحالي. 

وعلمت “العربي الجديد” أن فريقاً يضم قانونيين ودبلوماسيين وخبراء في المياه عكف على إعداد ملف “مُحدّث” خاص بقضية سد النهضة الإثيوبي، حمله السيسي والوفد المرافق له إلى القمة التي يحضرها أيضاً قادة من مختلف أنحاء القارة الأفريقية، بينهم رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد.

ومن المتوقع أن يتناول الرئيس المصري قضية السد مع نظيره الأميركي جو بايدن، وأن يجدد تأكيد “أهمية الدور الأميركي للاضطلاع بدور مؤثر لحلحلة تلك الأزمة”.

أهداف مشروع سد النهضة

ويحتوي الملف الذي يحمله السيسي معه، بالإضافة إلى الجوانب الفنية والوضع الإنشائي لسد النهضة والمراحل التي وصلت إليها عملية التشغيل، دراسة حول الوضع القانوني للقضية و”أدلة” حول مخالفة إثيوبيا اتفاق إعلان المبادئ الموقّع في عام 2015 في الخرطوم بين مصر والسودان وإثيوبيا. 

تحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من نهر النيل

ومن بين “الأدلة” وثائق بريطانية كشفت عنها هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أخيراً، وتحتوي على شهادة مسؤول إثيوبي كبير، تؤكد أن إصرار أديس أبابا على بناء سد النهضة كان سببه الرغبة بإعادة تقاسم مياه النيل وليس التنمية.

وكشفت الوثائق، التي تعود إلى ديسمبر/ كانون الأول 1992، أن “الهدف الرئيسي لمشروعات السدود الإثيوبية على النيل (ليس التنمية)، بل إعادة تقاسم مياه النيل ورفض الاتفاقات السابقة”.

ولفتت إلى “رفض إثيوبيا مقترحاً بريطانياً ببناء مشاريع تنموية على أنهار أخرى تجري في إثيوبيا بعيداً عن النيل الأزرق (الرافد الرئيسي للنيل)”. كما أشارت الوثائق إلى أنه “على الرغم من اعتراف أديس أبابا بجدوى الاقتراح، إلا أنها أكدت إصرارها على اختيار تطوير النيل الأزرق أولاً من أجل تأكيد حقها في استخدام مياه هذا النهر”.تقارير عربية

سد النهضة… سيناريوهات أميركية للحل

وتحصل مصر منذ أكثر من 6 عقود على 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من نهر النيل، وفقاً لاتفاقيات تصفها بـ”التاريخية”، لكن إثيوبيا ترفض الاعتراف بها على أساس أنها “أبرمت خلال الحقبة الاستعمارية”، بينما يستقبل السودان 18.5 مليار متر مكعب من المياه. ومع الزيادة المستمرة في عدد سكانها الذي تجاوز 110 ملايين نسمة، تشكو القاهرة من عدم كفاية هذه الحصة، ما أوقع البلاد في فقر مائي.

وقال مصدر مطلع على المفاوضات المصرية الإثيوبية بشأن سد النهضة، لـ”العربي الجديد”، إن إثيوبيا “عرضت على مصر، أكثر من مرة، قبل إنشاء السد، أن تشارك القاهرة في كل ما يتعلق بالسد، ولكنها لم تتلق أي جواب”. 

وأشار المصدر إلى أن الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي “توسل للرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر قبل توقيع اتفاقية عام 1959 (التي ترفضها كل دول حوض النيل) من أجل انضمام إثيوبيا للاتفاقية، لتكون ثلاثية، لكن عبد الناصر رفض”.

وحدّد “اتفاق الاستخدام الكامل لمياه النيل” المبرم في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 1959 بين مصر والسودان، حصتي البلدين من مياه النيل، غير أن إثيوبيا، البالغ عدد سكانها قرابة 122 مليون نسمة، تشدد على عدم اعترافها بهذا الاتفاق وأنها لم تعتمد هذه الحصص. 

ولا تزال أديس أبابا ترفض قبول مسألة “الحقوق المكتسبة” أو “التاريخية” لمصر. وفي عام 1956، أعلنت أنها “سوف تحتفظ بمياه النيل في أراضيها لاستخدامها بالطريقة التي تراها مناسبة”.

إثيوبيا مصممة على استخدام مياه النيل الأزرق

ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية مشاهد من مؤتمر نظمته كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (سواس) في جامعة لندن، في النصف الثاني من ديسمبر 1992، لمناقشة “المياه في الشرق الأوسط”. 

وقال المسؤول عن ملف المياه في الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية وممثل لندن في المحادثات متعددة الأطراف حول المياه غريغ شبلاند، في تقييمه للمؤتمر، إن له “جوانب جيدة وأخرى سيئة”. وجاء التقييم في برقية “سرية للغاية” موجهة إلى رئيس قسم البحث والتحليل، أحد المزودين الرئيسيين للمعلومات لصناع القرار في وزارة الخارجية البريطانية، بحسب “بي بي سي”.

ووفقاً لشبلاند، الذي أرسلته وزارة الخارجية إلى “سواس” للتعمق في دراسة ملف المياه في الشرق الأوسط، فإن الجوانب الإيجابية شملت “بحث قضايا القانون الدولي العامة ذات الصلة بالأنهار التي تشترك فيها دولتان أو أكثر، والمسائل العامة المتعلقة بمخصصات المياه بين القطاعات الاقتصادية داخل الدول”. أما الجوانب السيئة، فتتمثل في “الافتقاد المعتاد للتفاهم بين المصريين والإثيوبيين وبين العرب والإسرائيليين” بشأن المياه.

وكشف الدبلوماسي البريطاني، وفق “بي بي سي”، عن حوار دار بينه وبين رئيس الهيئة الإثيوبية لدراسات تنمية الوديان، الدكتور تسفات، ذكر فيه أنه “من المحتمل أن تكون هناك مشاكل أقل في ما يتعلق بنهر النيل بين دول الحوض مما يعتقده المعلقون إذا سعت إثيوبيا إلى تطوير أنهار أخرى في شمال البلاد، مع استبعاد النيل الأزرق”.

شبلاند: موقف المصريين ضعيف ومن المرجح أن يفشل

ولفت إلى أن مثل هذا السلوك “سيكون أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية بالنسبة لإثيوبيا”. وبحسب شبلاند، أقر المسؤول الإثيوبي بصحة الاقتراح، لكن على الرغم من موافقته، شدد على أن “إثيوبيا قد تختار تطوير النيل الأزرق أولاً من أجل تأكيد حقها في استخدام مياه هذا النهر“.

وحسب ما ورد في الوثائق البريطانية، فإن رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية آنذاك المستشار عوض محمد المر كان رئيس وفد مصر في المؤتمر.

ولخص شبلاند في إفادته “الموقف المصري” الذي عرضه المر، قائلاً: “لدى مصر حقوق مكتسبة بخصوص كمية مياه النيل التي تستخدمها حالياً، ويعتمد أمن مصر الزراعي على الاعتراف بهذه الحقوق المكتسبة، ومصر لن تتسامح أبداً مع بناء إثيوبيا أي سدود على النيل الأزرق. والنيل الأزرق هو مصدر أكثر من 80 في المئة من مياه نهر النيل العام”. وحسب برقية شبلاند، فإن كلام المر “لم يكن مقنعاً”، وأشار إلى أن “موقف المصريين هنا ضعيف، ومن المرجح أن يفشل” في كسب التأييد.

واستند الدبلوماسي البريطاني في تقييمه إلى أن “الاستخدام الفعلي للمياه ليس هو العامل الوحيد الحاسم في تحديد كمية المياه التي تحصل عليها أي دولة”، مشيراً إلى “ضرورة مراعاة (الإنصاف) في توزيع حصص المياه”. 

وانتقد الدبلوماسي البريطاني الطرح المصري في مؤتمر “سواس”، مؤكداً أن “عدم استعداد المصريين لقبول تطور القانون الدولي سيئ وينطوي على مشكلة”. ليس هذا فحسب، فقد أشار شبلاند إلى “عدم إدراكهم (المصريين) الواضح بأن موقفهم مستفز للإثيوبيين، ومن ثم يأتي بنتائج عكسية أسوأ، ومن المحتمل أن يضر بمصالحهم”.

هل تريد التعليق؟