مقالات

الإصلاح في الأردن ليس خاضعا لسورية

من غير الأخلاقي ربط الإصلاح السياسي في الأردن بتطورات الوضع في سورية. وقد دفعنا ثمنا غاليا خلال العقد الماضي عندما ربطت حكومة علي أبو الراغب الانتخابات بتداعيات انتفاضة الأقصى

من غير الأخلاقي ربط الإصلاح السياسي في الأردن بتطورات الوضع في سورية. وقد دفعنا ثمنا غاليا خلال العقد الماضي عندما ربطت حكومة علي أبو الراغب الانتخابات بتداعيات انتفاضة الأقصى، وعطلت الركن الأول في نظام الحكم “النيابي الملكي” حتى لا تكون نتائج الانتخابات وفق مزاج الشارع، أي باتجاه الإسلاميين. وبعد تعطيل الحياة النيابية عامين لم يتغير المزاج، وجاء اكتساح الانتخابات لاحقا حافزا لما هو أسوأ من التأجيل؛ التزوير الفج في انتخابات 2007، والذي لم تمح آثاره إلى اليوم. فـ”النخبة” الناتجة عن جريمة دستورية وقانونية من خلال التزوير صارت واقعا، وحقا مكتسبا لا يجوز تجاوزه.
جاء الربيع العربي فرصة تاريخية لتجديد الدولة والمجتمع، والاندراج في سياق عالمي يعيد للإنسان حقوقه الدستورية والطبيعية في الانتخاب الحر وتداول السلطة. إلا أن القوة المستفيدة من الأمر الواقع قاومت بضراوة، وسعت إلى تشويه الربيع العربي باعتباره “مؤامرة”، وخصوصا بعد أن وصل سورية. فتحالفت سورية وإيران مع بقايا الدوغمائيين القوميين واليساريين والطائفيين وأجهزة الأمن ضد الشعوب، وبات مألوفا أن تجد قوميا أو يساريا متطرفا يرفض النظام الأردني، يمارس الوشاية على شكل مقالات محرضا على الإخوان لأنهم دعوا لمظاهرة، وهذا أبسط حقوقهم الدستورية.
“بانتظار الحسم في سورية” مقولة سخيفة. لنفرض أن بشار سقط في غضون الانتخابات أو بعدها، هل سيحل مجلس النواب ويدعى لانتخابات جديدة مرة أخرى وفق البديل في سورية؟ من دروس التاريخ أن نظام القمع في سورية اغتال هزاع المجالي، وحاول اغتيال الملك الراحل الحسين ومضر بدران، ودخلت دباباته في السبعينيات الى إربد. وعندما حصل التحول الديمقراطي في الأردن العام 1989، كان يشوش على التلفزيون الأردني عندما يبث جلسات مجلس النواب على الهواء خشية انتقال التجربة.
أليس من المعيب بعد 22 عاما أن نخشى انتقال التجربة الديمقراطية السورية إلى الأردن؟ إن ملحمة الشعب السوري في انتزاع حريته خدمت فرادة الأردن مجتمعا ودولة في السلم والتسامح. صحيح أننا لم نبن نموذجا ديمقراطيا، لكننا وسط بحور الدم صنا حق الإنسان في الحياة. أسرة الأسد قتلت من السوريين واللبنانيين والفسطينيين ما يزيد على سبعين ألفا، والله وحده يعلم كم يكون العدد بعد أن يغادر بشار.
من المفروض أن نقدم للسوريين إضافة لنموذج مجتمع السلم والتسامح، تجربة ديمقراطية تحتذى. وستكون سورية ورشة بناء ضخمة على مستوى سياسي واقتصادي. ومن يصرخون اليوم بالخراب والاحتراب الأهلي فيها هم من يتمنون لها ذلك، ويسعون إليه. ستكون مرحلة انتقالية صعبة، لكن الشعب السوري الذي أذهل العالم بصموده في وجه أكثر الأنظمة وحشية في التاريخ، وتصدى للهيمنة الإيرانية والروسية، قادر على الوصول إلى بر الأمان رغم هوج العواصف.
نتأثر بسورية وتؤثر بنا. لكن لا يقبل أن يكون ذلك وفق إرادة رجعيين عصابيين يعانون من مرض رهاب الديمقراطية. هؤلاء خارج التاريخ وخارج المستقبل؛ إنهم ينكرون نهضة العرب في ربيعهم اليوم، كما ينكرون نهضتهم في القرن الماضي. ينكر هؤلاء حقيقة تاريخية تقول إن المملكة الفيصلية في دمشق كانت دستورية، وإن الأردنيين انتخبوا للمرة الأولى بعد انهيار الدولة العثمانية في المؤتمر السوري، وكان لهم فيه ممثلون. وكان طلبة المدارس ينشدون في الأردن وفلسطين “سورية يا ذات المجد”. فهل سينشد أولادنا نشيد أجدادهم؟ يبدو حلما خارجا عن سياق كوابيس.

About the author

ياسر أبو هلالة

Leave a Comment