أخبار

فصائل غزة تدرس الرد التدريجي على قيود الاحتلال

منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في 21 مايو/أيار الماضي، تغير شكل التعامل الإسرائيلي مع القطاع، إذ بات الاحتلال يربط الملفات ببعضها، في محاولة لخفض سقف مطالب المقاومة الفلسطينية من عملية تبادل الأسرى المقبلة من جهة، وإعاقة إعادة الإعمار من جهة ثانية. 
وتراقب الفصائل والفلسطينيون في القطاع الواقع الميداني عن كثب، في ظل المماطلة الإسرائيلية والتسويف، واشتراط حل ملف الجنود الأسرى لدى “كتائب القسام”، الذراع العسكرية لحركة “حماس”، من أجل “فكفكة” الأزمات المعيشية والإنسانية في القطاع المحاصر منذ عام 2006. وتسود حالة من الإحباط والغضب المتصاعد صفوف المواطنين في غزة نتيجة السلوك الإسرائيلي الأخير، وعرقلة إدخال البضائع، وعمليات الاستيراد والتصدير عبر معبر كرم أبو سالم، المنفذ التجاري لغزة، بالإضافة إلى عرقلة وصول المنحة المالية القطرية للفقراء، وتعطل مشاريع إعادة الإعمار.

محمود مرداوي: الاحتلال يبحث هو وحلفاؤه في المنطقة عن خيارات من شأنها أن تضعف المقاومة

وترفض الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينت العودة إلى التفاهمات التي كانت سائدة قبل 11 مايو الماضي، والتي نتجت عن تدخل وسطاء مصريين وقطريين وأمميين عقب مسيرات العودة وكسر الحصار الحدودية، على اعتبار أن تلك الفترة قد انتهت، وأنها ستبحث عن خيارات أخرى للتعامل مع القطاع، لا سيما الملف المالي في محاولة لإعاقة وصول الدعم إلى حركة “حماس”. وفي 2018، توصل الوسطاء إلى مجموعة من التفاهمات بين فصائل غزة والاحتلال الإسرائيلي، والتي كانت تنص على إدخال الأموال للأسر الفقيرة، وتنفيذ مشاريع استراتيجية، وحل أزمات المياه والكهرباء، وتنفيذ مشاريع لتشغيل الشباب، وإنشاء مدن صناعية، وتوسعة مساحة الصيد، إلا أن ما نفذ من هذه التفاهمات لا يرقى إلى الحد الأدنى من المطلوب.
ويبدو الموقف الفصائلي منحصراً في خيارات الرد على السلوك الإسرائيلي الذي يماطل في رفع القيود المفروضة على القطاع، ويشترط إنجاز ملف الجنود الأسرى، للحديث عن أي تغيير في التعامل مع غزة، وهو ما ترفضه فصائل المقاومة، لا سيما “حماس”. ووفقاً لمصادر فصائلية، تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن الفصائل في غزة درست استئناف مسيرات العودة بجميع أدواتها خلال الفترة المقبلة، وكانت النية أن تستأنف عقب عيد الأضحى في 20 يوليو/تموز الحالي، إلا أنه لم يتم التوصل لقرار نهائي بشأن ذلك، وترك الأمر لمزيد من المشاورات ولإفساح المجال أمام الوسيط المصري للتدخل. وبحسب المصادر فإن الفصائل اتفقت على التدرج في التعامل مع السلوك الإسرائيلي في حال لم ينجح الوسيط المصري في إيجاد حلول للقيود المفروضة على القطاع، إذ سيتم اللجوء للأدوات ذات الطابع الشعبي والسلمي، مع إبقاء الخيار العسكري مطروحاً على الطاولة.أخبار

رسائل تهديد من “حماس” إلى جنود الاحتلال

ويقول القيادي في حركة “حماس” محمود مرداوي إن المماطلة الإسرائيلية الحاصلة تستهدف كسر صورة الانتصار العسكري الذي حققته المقاومة على الأرض، وتعزيز حالة الغضب في صفوف الحاضنة الشعبية لها في القطاع. ويوضح مرداوي، لـ “العربي الجديد”، أن الاحتلال يبحث هو وحلفاؤه في المنطقة عن خيارات من شأنها أن تضعف المقاومة، وتعزز من مكانة اللاعبين الآخرين في المشهد السياسي، لا سيما الذين يتبنون برنامجاً سياسياً مضاداً لبرنامج المقاومة.
ويؤكد القيادي في “حماس” أن الاحتلال بجهوده، وبجهود من يتحالفون معه في الإقليم، يحاول المماطلة في كسر القيود المفروضة على غزة، إما بمحاولة ربط ذلك بملف الجنود الأسرى لدى “القسام”، أو خلق ذرائع أخرى تعيق فرصة الحياة الكريمة للفلسطينيين. ويشدد على أن هذه المعادلة المتمثلة في المماطلة والتسويف ستسقط كما سقطت في السابق، من خلال إيجاد معادلة وسياسات وردة فعل مناسبة ومكافئة لها، يجعل الاحتلال لا يستمر بها ويرضخ للمقاومة ولصمود الشعب الفلسطيني.
ومنذ انتهاء العدوان الأخير في مايو، يقتصر عمل المنفذ التجاري الوحيد للقطاع على إدخال السلع والمواد التموينية الأساسية، وبعض المواد المرتبطة ببعض الصناعات الغذائية فقط، فيما يتم منع عشرات الأصناف، التي كان يُسمح بإدخالها في السابق، فضلاً عن عشرات السلع الممنوعة من الدخول في السابق أصلاً. من جانبه، يؤكد القيادي في حركة “الجهاد الإسلامي” خضر حبيب أن هناك حوارات فصائلية متواصلة، واتفاق على التدرج في التعامل مع السلوك الإسرائيلي المرتبط بالواقع المعيشي في القطاع، عبر استخدام الأدوات الشعبية كخطوة أولى للضغط على الاحتلال. ويقول حبيب، لـ”العربي الجديد”، إن استمرار المماطلة الإسرائيلية سيدفع لاعتماد الوسائل الشعبية في المرحلة الأولى، عبر تفعيل مسيرات العودة وفعاليات الإرباك الليلي، وفي حال عدم الاستجابة سيتم اللجوء إلى خيارات أشد خشونة للضغط على الحكومة الإسرائيلية.

تيسير محيسن: الحكومة الإسرائيلية تريد استعادة التحكم في العلاقة مع غزة

ولا ينفي القيادي في “الجهاد الإسلامي” وجود نقاشات فصائلية ونية لإعادة إطلاق مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، المتوقفة منذ أكثر من عام ونصف العام، إلا أن الفصائل لم تتوافق بشكل نهائي على الآلية أو الموعد النهائي لاستئناف المسيرات. وبحسب حبيب فإن الفصائل الفلسطينية تتابع مع الوسيط المصري، باعتباره الراعي لاتفاق وقف إطلاق النار الأخير، الاتصالات من أجل محاولة فك العُقد التي يضعها الاحتلال، محملاً إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أي تصعيد مستقبلي بسبب إصرارها على سياساتها وعلى خنقها للقطاع.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن أن الحكومة الإسرائيلية تريد استعادة التحكم في العلاقة مع غزة، كون قواعد الاشتباك التي كانت قائمة في السابق، تغيرت بشكل نوعي بعد المعركة الأخيرة التي خاضتها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال. ويقول محيسن، لـ”العربي الجديد”، إن القيادة السياسية الجديدة لدى الاحتلال وقيادة الجيش وجدت نفسها أمام خسارة على أكثر من صعيد، منها الداخلي ومنها الاستراتيجي، والذي يتمثل في إضعاف صورة الجيش على الصعيدين الإقليمي والدولي وكسر الصورة النمطية عنه. ويعتقد محيسن أن استخدام أسلوب الضغط، وفرض القيود، والمماطلة في تخفيف الحصار لم يكن مستغرباً، لا سيما وأن العودة لاشتباك عسكري صعب بالنسبة للإسرائيليين حالياً بحكم الظرف الدولي والموقف الأميركي الذي لن يتجرع أزمة جديدة. ويعتبر أن الذهاب نحو الضغط بالأدوات المدنية والاقتصادية محاولة للتقليل من مستوى الحالة التي أفرزتها المعركة الأخيرة لمصلحة المقاومة وغزة، والحصول على تراجعات، سواء في ملف التفاهمات السابقة أو ملف الجنود الأسرى لدى حركة “حماس”. وبالرغم من السلوك الإسرائيلي الحاصل، وحالة المماطلة والتسويف، ورفض الاستجابة لمطالب الفصائل في غزة، فإن سيف الوقت لم يستنفد بعد، ومن الممكن تفكيك بعض الملفات العالقة في المرحلة الراهنة، سواء عبر إدخال الأموال القطرية أو ملف الإعمار وملف معبر كرم أبو سالم، وفق محيسن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *