مقالات

معان.. أين كنا وأين صرنا؟

من أوائل القوانين التي أسست الدولة الأردنية “قانون الإشراف على البدو” بتعديلاته. وبحسب ما يقول المحامي والخبير القانوني حاكم الفايز، فإن تعريف البدو في ذلك القانون، وكانت فيه عشيرته “بني صخر”، اعتمد على العشائر الغازية، لا الرحل. فكثير من “الرحل” لم يدخلوا في القانون، نظرا لعدم اعتمادهم على الغزو في معاشهم. وقد تذكرت مقولة الفايز وأنا أنظر إلى صفحة التاريخ الأردني على موقع “فيسبوك”، وهي صفحة مذهلة لا أعرف من يقوم عليها؛ إذ تنشر صورا لعشيرة أبو الغنم وهي تستعد لغزو الكرك.
وفي حديث الغزو الطويل، يُروى أن الراحل محمد عودة أبو تايه كان في لقاء مع الملك الراحل الحسين بن طلال، وتناول خلافا على الواجهات العشائرية مع بني صخر ورجع إلى أيام الغزو. وكان كبير مرافقي الملك الحميدي الفايز، فشعر الملك بالحرج ونظر إلى الحميدي الذي رد ممازحا لو أن الحويطات أوصلونا إلى قلب عمان؛ في إشارة إلى ارتفاع أسعار الأراضي في عمان، ووجود البدو على أطرافها.
وفي صفحات التواصل الاجتماعي تستخدم المعلومات المبتورة وغير الدقيقة في استعادة تاريخ الغزو، مع فارق بسيط بين أخلاق الفرسان في القديم، وسلوكيات البعض المناقضة حديثا. إذ تنسب صفحة لناشط على الإنترنت لرحالة غربي قوله إن معان الحجازية هي من أبناء البادية، و”الشامية” هي من الأتراك والأرناؤوط وبقايا الصليبيين. وبناء عليه، يقرر الناشط الذي يخطئ في التاريخ كما في النحو والإملاء، شن حرب تحرير لمعان من بقايا الأتراك والصليبيين!
بصفتي واحدا من أبناء معان الحجازية، أصحح معلومة الناشط. فهذه عرفت الاستقرار كما “الشامية”، وهي تضم كحاضرة عشائر بدوية وشامية وحجازية، مثلها مثل مكة المكرمة وبغداد ودمشق. وكان المعيار هو التوطن، كما يُنقل عن محمود باشا كريشان، الذي أبرق للملك المؤسس محتجا على ترشح نائب كان ذووه الأرناؤوط قد قدموا إلى معان موظفين، بأنه “رجل دخيل لا ماء له ولا نخيل”؛ أي إن الاستقرار اعتمد في معان على الزراعة. وفي معان الحجازية استقر الحويطات، وبنى فيها عودة أبو تايه قصرا لا بيت شعر، وأبناؤه وأحفاده استقروا ودرسوا في معان.
مناسبة هذا الحديث هو إطلاق النار على واحد من أبناء معان لأنه يعمل في مشروع حوض الديسي. وسبق، قبل سنوات، أن قُتل مواطن من معان للسبب ذاته، وكأن أبناء المحافظة المعدمين يتقاتلون على آبار النفط! والمفروض أن حوض الديسي يقدم لأبناء المحافظة، في البادية والقرى والمدينة، فرصا للعمل وتجاوز الفقر الذي يعيشون. وما حصل لا يزيد المحافظة، سواء كان أبناؤها من أحفاد السلطان سليمان القانوني أو لويس السادس عشر أو قحطان، إلا فقرا؛ فأي استثمار وأي خدمات في محافظة تغلق طريقها الدولية مع كل إشكال أمني؟
نحتاج اليوم إلى قانون الإشراف على معان، لبسط سلطان القانون عليها، بدوا وحضرا، مع أنني لا أشاهد لا بدوا ولا حضرا. وهذه مأساة المحافظة؛ فلا هي ظلت على قيم البداوة، وهي لا دخلتها قوانين الحضارة. ومن الغريب أن الناس تستنجد بتدخل الدولة في معان، وهي لا تعبأ.
كيف تقطع الكهرباء عن الحسينية؟ وكيف تقطع الطريق إلى معان بعد مئة عام على وصول الخط الحجازي إليها؟.. أين كنا وأين صرنا؟

هل تريد التعليق؟