لا تزال القضية السورية تراوح مكانها سياسيا منذ وقت طويل، بالرغم من أنها لا تزال مشتعلة ميدانيا، إذ لا يكاد يمرّ أسبوع دون قصف من الجيش السوري وحلفائه لمناطق المعارضة، أو غارة إسرائيلية تستهدف منشأة أو شخصية ما، أو اشتباك بين فصيل مسلح وآخر، أو عملية عسكرية لجهة من الجهات الكثيرة التي لا تزال تلقي بحطبها في النار السورية.
وفي هذه الظروف السياسية الباردة، والميدانية الساخنة، طرح المجلس الإسلامي السوري يوم السبت 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ورقة تضمنت عشرة مبادئ، وصفها بأنها رؤيته للتوافق الوطني في سوريا، حرّكت مياه العملية السياسية الجامدة، وكان لها صدى خصوصا في ساحة المعارضة.
رؤية المجلس في بنودها العشرة تناولت: الانتقال إلى حكم رشيد، وأنه مشروط بتحقيق العدالة، ودعت إلى حوار شامل، في ظل الشفافية والوضوح وصدق النوايا، وأكدت على التنوع السوري، والانتماء العربي الإسلامي، ووحدة التراب والشعب واستقلال القرار الوطني، وأشارت إلى الحاجة إلى دستور جديد، وتداول سلمي على السلطة، وشجعت على المشاركة الاجتماعية البناءة وتعزيز المسؤولية الوطنية.
الجزيرة نت حاورت مطيع البطين المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي السوري بشأن الورقة وما تضمنته، وسياق صدورها، والخطوات التي يمكن أن تبنى عليها.
نشرتم قبل أيام رؤية المجلس الإسلامي السوري للتوافق الوطني، وهي ورقة تضمنت عشرة بنود وصفتموها بأنها “المبادئ الأساسية التي تجسِّدُ رؤيتَنا للتوافق في سوريَّة المستقبل”. هل يمكن أن تضعونا في السياق الذي صدرت به الورقة، ومناسبتها، ولماذا في هذا الوقت تحديدا؟
حقيقة، هنالك مطالبات منذ سنوات عديدة من جهات كثيرة، ومن شخصيات فاعلة في الشأن السياسي والشأن العام، تقترح وتسأل: لماذا لا يطرح المجلس رؤية للسوريين، تحمل كثيرا من الأهداف والرسائل.
هذه الورقة مضى على كتابتها بهذا الشكل أكثر من شهر، أما الأفكار فهي سابقة بكثير وموجودة في وثائق المجلس كمفردات، وموجودة في بيانات المجلس، لكنها صدرت الآن متكاملة بهذا الإخراج وبهذه الصيغة.
ربما كان ينبغي أن تخرج الورقة قبل شهر تقريبا، لكن تم التأجيل بسبب غمرة الأحداث وما تشهده المرحلة، لكن قبل أيام كانت هنالك فسحة، وتم التوافق على إصدار هذه الرؤية.
مَن تخاطبون بهذه الورقة؟ وهل النظام وحاضنته معنيون بها؟
هذه الورقة مخاطب بها بالدرجة الأولى السوريون، كل مكونات الشعب السوري: الهيئات، والروابط، والحركات، والأحزاب في سوريا، كل هؤلاء مخاطبون بهذه الرؤية والورقة.
أما النظام وحاضنته، فلا بد من تمييز دقيق. ربما يسمي البعض أهلَ المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بأنهم حاضنة ومؤيدون، والحقيقة أن المسألة ليست كذلك. نحن نعتبر أن هؤلاء جزء من الشعب السوري، وهم مقيدون ومكبلون، وهم ضد هذا النظام. وقد رأينا ورأى الكل ممارسات النظام ضد هؤلاء الذين يقطنون في مناطق تخضع لسيطرته.
الوثيقة تتكلم عن المساواة، وهي تعني هذه الكلمة بكل أبعادها، وتخاطب بها كل السوريين، بعيدا عن الطائفة والانتماء والإثنية
أشرتم إلى تنوع سوريا دينيا وثقافيا وعرقيا، وقلتم إن ذلك ينعكس على الصَّعيدين القضائي والاجتماعي. ماذا عن باقي الصُعُد؟ وهل للأقليات الدينية أو العرقية حقوق سياسية في تصوركم؟ هل سنراهم في مجلس الشعب ونتوقع أن يتولى بعضهم مناصب سياسية؟
قضية التنوع الموجود في سوريا قضية مهمة جدا، وينبغي أن تراعى في كل ما يكتب ويقال، هذه حقيقة. واعتبار ذلك لا ينفي الصعد الأخرى، فقد يرغب مكوّن مثلا أن يكون الزواج والأحوال الشخصية شأنا يخصّه، وهذا حقه، وتكون له أعياده وله مناسباته وله أعرافه، وهذا أيضا مقر ومراعى.
أما الجوانب الأخرى، وعلى رأسها الجانب السياسي، فكل أفراد الشعب السوري من حقهم أن يكونوا في أي موضع وأي مكان: في مجلس الشعب، في الهيئات السياسية، في المراكز القيادية.
ما دامت الوثيقة تتكلم عن المساواة، فهي تعني هذه الكلمة بكل أبعادها، فبالتالي مجلس الشعب أو غير مجلس الشعب أو القيادات، فهذا مخاطب به كل السوريين، بعيدا عن الطائفة والانتماء والإثنية.
انتُقدت الورقة بأن تطرقها إلى تنوع مكونات المجتمع السوري كان خجولا ومحدودا.
الانتقاد بأن التطرق للتنوع كان خجولاً، يقابله انتقاد آخر بأن ذكر الثقافة الإسلامية أو البعد الإسلامي، وذكر العربي أو البعد العربي كان خجولاً. هنا تجد انتقادا، وهنا تجد انتقادا، ولابد من هذا. لكن بتقديري أن ورود هذه المفردات لا يتم تقييمه بصيغة “خجول”، فعندما تقول المكونات والإثنيات والتنوع الواضح، هكذا واضح، فهذا ليس يعني تطرقاً خجولاً، بل هذا ذكر للواقع بشكله الكافي.
وإذا أردنا أن نتكلم أكثر من ذلك، ونتشعب فيما لهذه الطائفة وما لهذا المكون وما لهذا اللون في سوريا، فستخرج الورقة عن مرادها. هذا كله يُقرأ في أن السوريين جميعًا يقفون على أرضية واحدة، متساوين في الحقوق والواجبات بعيداً عن العرق واللون والطائفة وغير ذلك.
دعوتم إلى كتابة “دستور جديد” يقوم على العدل والحرية. هل ترون أن المشكلة في سوريا مشكلة دستورية؟ وكيف تنظرون في هذا السياق إلى جهود اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة؟
هنالك مشكلة أساسية قبل مسألة الدستور، وهي تقييد الدستور وتغييب الدستور والاعتداء على الدستور الذي مارسه النظام ويمارسه.
هذه هي المشكلة الحقيقية، وليست المشكلة الحقيقية في الدساتير التي كانت سابقة من 1920 حتى اليوم، ليست المشكلة الحقيقية هنا، وإنما المشكلة الحقيقية هي في أن الدستور حبر على ورق من خلال ممارسات النظام. لكن دعوة المجلس لكتابة الدستور جاءت حتى يكون السوريون هم سادة أنفسهم، وهم من يكتب الدستور بأيديهم.
ولذلك فإن المجلس غير موافق على عمل اللجنة الدستورية، وكان هناك أكثر من إشارة أو بيان خاص بهذا الأمر، والسبب أنها لم تولد بأيدٍ سورية، ولم تكن بإرادة سورية، وهذا خلال كبير جدا، ولذلك لا بد من كتابة الدستور كما تكتبه الأمم الحرة، من خلال جهة منتخبة مختصة تكتب هذا الدستور ويستفتى عليه ويحصل على الشرعية. هذا ما رمى إليه المجلس.
ألا ترون أن ورقتكم ليست إلا جملة من القيم النظرية التي لن تكون محلّ خلاف أبدا، وأنها لا تلامس المشكلات الحقيقة التي تواجه القضية السورية أو تقدم لها حلولا؟
أعتقد هذا قول غير دقيق وغير متابع للمشهد بشكل كامل. الجزء الأهم أن تعمل على جمع السوريين على رؤية، فكرياً وثقافياً، أن تكون هناك روح القبول والتنوع والعمل لأجل إيجاد صيغة وأرضية مشتركة يلتقي عليها كل السوريين، وأنا أعتقد هذا من أهم الأعمال. فالقول إن هذا لا يعطي حلولا، وبعيد عن الواقع، غير صحيح.
الكل يرى الاشتباك الفضائي في المواقع، في الطرح، في الكتابات، في المقالات، في الإعلام حول هذه القضية. فأن يضع المجلس ثقله بهذه القضية، هذه خطوة مهمة جداً، وتحمل رسائل طمأنة لكل السوريين، ومد يد أيضا لكل أبناء سوريا، وهذه بتقديري أهم مرحلة للوصول إلى الهدف الذي ينشده جميع السوريين الأحرار، من أجل الوصول إلى سوريا، دولة حرة كريمة شريفة يحكمها أبناؤها الأحرار، بعيداً عن الاستبداد، بعيداً عن الطائفية، بعيداً عن المحاصصة، بعيداً عن التدخل الخارجي هذا أساس مهم جدا.
المجلس الإسلامي السوري مكوّن بالدرجة الأولى من علماء شرعيين ومشايخ، لا سياسيين، وغالبية قياداته موجودة خارج سوريا. هل ترون أن المجلس مؤهل لتقديم رؤى سياسية؟
هذا كلام يردد كثيرا ويقال لإبعاد المجلس عن الشأن العام. والحقيقة أن هذا الكلام فيه ظلم، وفيه تقييد، وفيه عدم إعطاء الجهات السورية دورها المطلوب واللازم.
قضية الشأن العام قضية كل السوريين، وكل السوريين ينبغي أن يقولوا كلمتهم في هذا الأمر.
أما الاختصاص، فعندما تريد أن تكتب دستورا تحتاج مختصين، وعندما تريد أن تكتب نظاما متكاملا لا بد من المختصين. المجلس هنا يطرح مبادئ مهمة جدا، مبادئ عامة، وهذا لا شك من اختصاص ومهام الجهة التي تعنى بالشأن العام، مثل المجلس الإسلامي السوري.
أما كون الأعضاء خارج أو داخل سوريا، فلا ربط بين الأمرين، ولا أرى أن من اللازم أن يتكلم فقط من كان داخل سوريا، وأنه يمنع الكلام على من كان خارجها، خصوصا أن هؤلاء الذين يعيشون خارج سوريا أخرجوا لأجل القضية، لأجل الثورة، لأجل سوريا، لأجل حرية السوريين، فهم في سوريا ويعيشون خارج سوريا.
بالرغم من إشادة بعض الشخصيات بورقة المجلس، فإنها لم تلقَ صدى يذكر بين مؤسسات المعارضة، فضلا عن الحكومة السورية.
التفاعل مع الورقة والقول إنها لم تلقَ الصدى اللازم، هذا من المبكر أن نحكم عليه، فالتفاعل لا يزال جاريا، والإشادة من الشخصيات والهيئات مستمر، وهي بالتأكيد تترك أثرا، وكثير من الأوراق التي طرحها المجلس لاقت أثرا كبيرا عند السوريين، بداية بوثيقة المبادئ الخمسة، ووثيقة الهوية السورية، وكثير من البيانات المهمة والوثائق لا تزال محفوظة في ذاكرة السوريين، وتستحضر عند كل مشهد وكل مفصل من المفاصل التي تمر بها سوريا.
ما الخطوات العملية التي ستتبع هذه الورقة تنعكس على الساحة السياسية السورية؟ وهل تواصلتم مع أحد من مؤسسات المعارضة كالائتلاف الوطني أو هيئة التفاوض لتتبنى هذه الورقة أو تبني عليها في خطواتها السياسية؟
لا شك أن هذا مطلوب من كل السوريين، والمجلس يتابع ما يطرح وقد رعى كثيرا من اللقاءات، ومن المهم جدا أيضا أن يستمر هذا، ولا شك أن هذا حاضر في طروحات المجلس، وإن شاء الله ستعقد لقاءات ترعى تلاقي السوريين العاملين في هذا الشأن.
سابقا، كانت هنالك لقاءات مع مختلف مؤسسات المعارضة، ومنها الائتلاف والمؤسسات القريبة منه، وكانت هنالك لقاءات في الشأن العام، وحديث عن كثير من القضايا التي يهتم بها السوريون، وعلى رأسها القضايا المذكورة في بنود رؤية المجلس الإسلامي التي طرحت في اللقاءات السابقة منذ بداية تشكيل المجلس في 2014.
لكن بخصوص اللقاءات بعد صدور هذه الوثيقة، فالوثيقة أو الرؤية لم يمضِ على إصدارها غير أيام. بالتأكيد الباب مفتوح، ولا يوجد شيء يمنع من اللقاء مع مختلف الجهات السورية لبحث هذا الأمر وتناول السبل التي يمكن من خلالها جمع السوريين، ويمكن من خلالها الاتفاق على المبادئ العامة لأجل المستقبل السوري الكريم.
هل تريد التعليق؟