الدوحة- قبل أكثر من 1400 عام، ذهبت الصحابية خولة بنت ثعلبة إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم تطلب منه الفتوى بعد خلاف مع زوجها، وكان الحكم أنها حرمت عليه، ولكنها أخذت تجادل مرارا وتستعطف الرسول، وظلت تدعو الله بأن يفرج عنها تلك الأزمة إلى أن أنزل الحق تعالى الحل لقضيتها التي عرفت باسم الظهار في الإسلام؛ حيث زف إليها الرسول البشرى وهو ما ترويه سورة المجادلة.
واسترشادا بالموروث الإسلامي العزيز أطلقت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع مبادرة جديدة للنساء من خلال مشروع يلبي الاحتياجات الدينية والتنموية والاجتماعية للنساء المسلمات في قطر عبر التدارس والتحاور وأداء العبادات معا في فضاء يسترشد بالموروث الثقافي للإسلام من خلال مركز يحمل اسم المجادلة.
وأعلنت رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع الشيخة موزا بنت ناصر، مساء الأربعاء، في حفل بالمدينة التعليمية بمؤسسة قطر إطلاق المشروع الذي يستهدف أيضا المسلمات الباحثات عن مكان يُمكّنهن من توسيع وإثراء جميع مناحي الحياة وبناء مجتمعات قائمة على التعلم إلى جانب الباحثين والأكاديميين ممن يبحثون عن مساحة للتداول حول القضايا الإسلامية التاريخية المعاصرة ودعم المنح الدراسية للنساء وإنشاء مسارات جديدة وأوسع لمشاركة أعمالهن.
إرشاد الأجيال القادمة
كما يستهدف المركز قادة المجتمع الذين يسعون للبحث وقيادة الفكر حول القضايا التي تؤثر في مجتمعاتهم، حيث كانت إسهامات المرأة على الدوام في صميم التطور الاجتماعي وتوفر فضاء ومنبرا لتيسير إرشاد الأجيال القادمة وضمان تبادل الخبرات والمعارف ما بين الأجيال وبناء القدرات.
وقالت الشيخة موزا بنت ناصر في كلمة لها خلال افتتاح المركز: “يقال في الفلسفة إن الجدل أصل التطور، ها قد علمنا كيف أن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها اتخذت من الجدل -وكانت خير مجادلة- سبيلا لتجسيد رؤيتها في سعيها إلى حل مشكلتها”.
وأضافت: “أظهرت خولة بنت ثعلبة بمبادرتها شجاعة وقوة شخصية ووعيا في أن الدين تسهيل في الدنيا وليس العكس، فلم تقف مكتوفة الأيدي، بل سعت وبحثت عن حل للمشكلة من داخل منظومتها الدينية، قاصدة حفظ حدود الله في نفسها وأهلها بعقل وتبصر”.
وأوضحت الشيخة موزا أن الهدف من المركز هو تسليط الضوء على مفهوم العدالة في العبادة من خلال إنشاء مركز ومسجد يتيح للمرأة تطوير ذاتها في الشؤون الدينية والدنيوية من منظور شرعي وفهم شامل للعبادة حتى لا تبقى مصليات النساء مهمشة ومنزوية في ركن قصي، بوضع لا يليق بقيمة المسجد الروحية والإيمانية بما يجعلها بيئة غير جاذبة للفتيات.
سبب التسمية
وعن سبب تسمية المركز والمسجد بهذا الاسم قالت الشيخة موزا إن “خولة بنت ثعلبة مصدر إلهام لكل امرأة تريد أن تكون على بينة من أمرها، وتحيا حياتها على بصيرة، لتكون بذلك أصدق تعبير عن التصور الإسلامي للمرأة، ونموذجا يحتذى لمن تريد أن تنهض بنفسها ومجتمعها من داخل منظومتها الدينية والثقافية والحضارية ولهذا اخترنا المجادلة اسما للمركز والمسجد”.
ويفتح المركز أبوابه للجمهور خلال حدث مجتمعي في الرابع من فبراير/شباط المقبل، وتبدأ برامجه المجدولة في السادس من فبراير/شباط، حيث يمكن للنساء زيارة المركز بدون الحاجة إلى التسجيل في برامجه بين الساعة العاشرة صباحا حتى الثامنة مساء يوميا.
وإضافة إلى البرامج والأنشطة المجتمعية، سيفتح “المجادلة” آفاقا للتعليم والبحوث الإسلامية، ودراسة الدين الإسلامي في سياقه التاريخي والمعاصر، كما سيمثل محورا لشبكات البحوث، وبناء القدرات، والتبادل الفكري بين العلماء، والممارسين، والنساء المسلمات من جميع الخلفيات.
ويركز “المجادلة للبحوث” على دعم المشاريع البحثية في 3 مجالات رئيسية هي:
- النصوص والشريعة والأخلاقيات الإسلامية.
- حياة المرأة المسلمة.
- صحة ورفاه المرأة المسلمة.
مساحة للحوار
من جهتها قالت الدكتورة سهير صديقي المديرة التنفيذية لمركز ومسجد المجادلة للنساء وأستاذة علم اللاهوت المشاركة، في تصريح للجزيرة نت: “لقد اخترنا اسما مستوحى من سورة المجادلة لأنه يلخص أهمية ما نحاول القيام به هنا في المركز والمسجد، والذي يهدف إلى خلق مساحة للحوار والتحادث حول القضايا المعاصرة المرتكزة على جمال الإسلام وانفتاحه”.
وأكدت أن المركز سوف يوفر أبحاثا مدروسة وبرامج ذات صلة وحوارا جذابا، مع الاستمرار في توسيع المساحات المخصصة للنساء للنمو والتطور، مشددة على أن الإسلام يعترف تاريخيا بالنساء ويشجعهن على الصلاة معا. وتابعت أنه في حين تم افتتاح العديد من المساجد الجديدة والكبيرة في قطر على مر السنين، إلا أن المساحات المخصصة للنساء غالبا ما تكون مكتظة، خاصة في شهر رمضان، “ولذلك أنشأنا مساحة مصممة خصيصا للنساء ومصممة هندسيا بطريقة منفتحة وراقية”.
ولفتت إلى أن المركز سوف يوفر العديد من البرامج؛ منها الدينية والاجتماعية والتنموية والبحثية، حيث تم تصميم جميع هذه البرامج لتلبي احتياجات المرأة المسلمة عن طريق توفير فرص للتعلم مع الحرص على أن يكون الفكر الإسلامي هو أساس جميع هذه البرامج.
وأوضحت صديقي أن البرامج الاجتماعية والتنموية التي يوفرها المركز تعطي فرصا للنساء لبناء علاقات دائمة وتوسيع دائرتهن الاجتماعية في بيئة ترحيبية من خلال التعرف على نساء يواجهن نفس المشاكل التي يواجهنها في يومهن العادي، في حين أن البرامج التنموية تلعب دورا خاصا في تعزيز المرأة المسلمة فكريا وروحيا وعاطفيا وجسديا، بينما تركز البرامج البحثية على تمكين المرأة من التحاور في كل ما يتعلق بتاريخ المرأة المسلمة ويوفر لها السند العلمي الذي تحتاجه، حسب قولها.
هل تريد التعليق؟