بعد ربع قرن من مذبحة سربرنيتسا، التي راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف مسلم على يد قوات صرب البوسنة في يوليو/تموز 1995؛ يؤكد الناجون أنهم يعيشون “كابوسا مزدوجا” بسبب تنامي ثقافة محلية لإنكار الإبادة الجماعية، تعيد كتابة التاريخ مجددا وتحتفي بجلادي الأمس.
سربرنيتسا البلدة ذات الأغلبية المسلمة الواقعة شرقي البوسنة بالقرب من الحدود الصربية، أعلنتها منظمة الأمم المتحدة منتصف تسعينيات القرن الماضي “منطقة آمنة”، وكانت تحت حماية قوات حفظ السلام الأممية التي سلمتها لجيش صرب البوسنة في 11 يوليو/تموز 1995، ليقتل -على مدى الأيام القليلة التي تلت هذا التاريخ- بأبشع الطرق أكثر من 8 آلاف رجل وامرأة وطفل من المسلمين.
ويؤكد تقرير مطول لموقع ميدل إيست آي البريطاني (Middle East Eye) أن الناجين من شبح الإبادة في سربرنيتسا ما زال يؤرقهم إلى يومنا هذا أولئك الذين حاولوا تصفيتهم أو طردهم من منازلهم.
وكثير من هؤلاء ما زالوا يطوفون شوارع البلدة من دون أن تطولهم أي محاسبة على أفعالهم، بل إن بعضهم تولوا مواقع المسؤولية في المجلس المحلي، وفي جهاز شرطة البلدة.
تعديل المناهج
كما قامت العديد من المدارس المحلية بالتفرقة بين أطفال المسلمين والصرب، في حين حذفت أي إشارة إلى الإبادة من المناهج الدراسية منذ عام 2017.
وفي الوقت ذاته -كما يؤكد الموقع- يتم الاحتفاء بمجرمي الحرب الصرب وحلفائهم من خلال تسمية شوارع وأبنية بأسمائهم، أو وضع نصب تخلد ذكراهم.
ففي قرية بال (Pale) التابعة لبلدية سربرنيتسا، يوجد الآن سكن للطلاب سمي باسم الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كاراديتش، الذي يعد “مهندس” الإبادة الجماعية، ويقضي الآن مع القائد العسكري الصربي راتكو ملاديتش عقوبة بالسجن المؤبد، بعد أن ألقي القبض عليهما بعد سنوات من الاختباء، وتمت إدانتهما من قبل محكمة جرائم الحرب التابعة للأمم المتحدة في لاهاي.
كما يوجد في قرية بوزانوفيتشي (Bozanovici) شارع راتكو ملاديتش العام، الذي ولد في المنطقة.
وفي عام 2018، أقامت جمهورية صرب البوسنة (أحد الكيانين المكونين للبوسنة والهرسك) تمثالًا لفيتالي تشوركين، السفير الروسي السابق لدى الأمم المتحدة، الذي استخدم الفيتو ضد قرار يدين عمليات القتل في سربرنيتسا ويعتبرها إبادة جماعية.اعلان
ويؤكد الأكاديمي والباحث في الإبادة الجماعية حكمت كارسيتش أن إستراتيجية إنكار الإبادة بدأت ببطء من خلال تمويل منظمات غير حكومية صغيرة وأكاديميين كلفوا بتشويه حقيقة الأحداث المقبولة دوليًّا، لكن الأمر بات الآن سياسة دولة”.تشغيل الفيديو
تقاعس أوروبي
إستراتيجية الإنكار والتقاعس تجاه حقوق الضحايا وذويهم -كما يقول الموقع- لم تقتصر على الداخل (جمهورية صرب البوسنة)، بل شملت أيضا الأطراف الأوروبية.
ففي عام 2009، اعتمد البرلمان الأوروبي قرارًا بشأن سربرنيتسا يدعو “المجلس والمفوضية الأوروبية إلى الاحتفاء بشكل مناسب بذكرى الإبادة الجماعية من خلال دعم اعتراف البرلمان بـ11 يوليو/تموز يوما لإحياء الذكرى في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، ودعوة جميع دول غرب البلقان إلى أن تحذو الحذو نفسه”.
لكن مؤسس ورئيس حملة “تذكروا سربرنيتسا” وقار عزمي أكد للموقع أنه رغم وجود قرارين من الاتحاد الأوروبي يطالبان الدول الأعضاء بإحياء ذكرى المذبحة في 11 يوليو/تموز من كل سنة، فإن “بريطانيا هي الوحيدة التي تنظم احتفالا وطنيا بالذكرى، وقامت بتطوير برامج تعليمية مرتبطة بها”.
ويضيف عزمي أن “قلة جهود الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإحياء الذكرى والتعلم منها أمر مخزٍ للغاية”.
ويؤكد أن هذا “التقاعس” من جانب الدول الأوروبية يثير قلقا بالغا، ويشجع أولئك الذين يسعون إلى إنكار الإبادة الجماعية، كما أنهم يمجدون المجرمين والقائمين عليها”.
مواقف سابقة
ويرى موقع ميدل إيست آي أن إحجام الدول الأوروبية عن تذكر الإبادة الجماعية في سربرنيتسا “بشكل لائق” مؤشر على عدم ارتياح هذه الدول بشأن سلوكها في ذلك الوقت.
فقد نقل عن الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون قوله إن الحلفاء الأوروبيين اعترضوا باستمرار على مقترحات تعديل أو إزالة حظر الأسلحة المفروض على البوسنة، لأن “البوسنة المستقلة ستكون غير طبيعية باعتبارها ستكون الدولة الإسلامية الوحيدة في أوروبا”.
كما كتب بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الحالي، الذي كان حينها صحفيا في جريدة ديلي تلغراف عام 1997 قائلا “إن مصير سربرنيتسا كان مروعًا، لكنهم لم يكونوا ملائكة، هؤلاء المسلمين”.
وكشفت وثائق للحكومة البريطانية رفعت عنها السرية مؤخرا عن وجود “عدم ثقة” و”خلاف” آنذاك بين المملكة المتحدة وفرنسا -وكل منهما عضو دائم في مجلس الأمن- بشأن كيفية الرد على المجزرة.
هل تريد التعليق؟