بعدما خذلت السلطة المصرية مواطنيها في ملف سد النهضة الذي أصبح أمرا واقعا، وبدأت إثيوبيا بالفعل في ملء بحيرته، بينما فشلت القاهرة في تحقيق أهدافها عبر المفاوضات؛ توجهت أنظار البعض إلى المعارضة المصرية لعل عندها جديدا رغم ضعفها وتشتتها.
وبينما يستبعد البعض وجود أي دور للمعارضة، فإن البعض الآخر يرى أنها يمكن أن تساهم ولو بالنصح أو الضغط خصوصا على السلطة المصرية التي بدا أنها خذلت المصريين في ملفات عديدة سياسية واقتصادية، قبل أن يصل الخطر هذه المرة إلى شريان حياة مصر وهو نهر النيل الذي تعتمد عليه بنسبة 97% في احتياجاتها من المياه.
وبدا واضحا أن المعارضة المصرية غير راضية عن نهج السلطة في ملف مياه النيل، كما هي الحال في مختلف الملفات. وبحسب شخصيات معارضة تحدثت للجزيرة نت، فإن لدى المعارضة عدة مسارات في هذا الشأن، تتقدمها المطالبة بسحب توقيع مصر على اتفاق المبادئ الموقع في 2015، ومناداة الجيش بالتحرك لمساندة سحب التوقيع، أو القيام بعمل عسكري، إضافة إلى دعوة الحكومة لاستفتاء الشعب على خطوات مواجهة الأزمة.
كما تضم قائمة المسارات المقترحة من جانب المعارضة المصرية: التحرك القانوني لمقاضاة إثيوبيا في المحافل الدولية، والتمسك بأن يتم ملء بحيرة السد على مدى 7 سنوات لتقليل الضرر الواقع على مصر، فضلا عن التنسيق مع سودانيين معارضين للسد، وتحرك الجاليات المصرية في الخارج لدعم تلك المطالب.
الانسحاب ومناداة الجيش
“اسحب توقيعك” حملة دشنها سياسيون ونشطاء مصريون، لمطالبة النظام الحاكم بسحب توقيعه من الاتفاقية التي أمضاها مع السودان وإثيوبيا عام 2015، مؤكدة أن هذه الاتفاقية أفقدت مصر حقها التاريخي والقانوني في حصتها من مياه النيل، كما أنها أفقدتها الكثير من أوراق الضغط أثناء المفاوضات، مشيرةً إلى أن سحب التوقيع هو الدليل الحقيقي والخطوة الأولى لجدية النظام في السعي لحل الأزمة التي أوقع فيها البلاد.
بينما ناشدت حملة “باطل” في أحد بياناتها قادة وضباط الجيش المصري، التحرك لمواجهة ما وصفته بالكوارث التي يتسبب فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قائلة “يا قادة وضباط مصر، يجب أن يكون لكم رأي اليوم، يجب أن ينسحب السيسي من هذه الاتفاقية التي لم يفوضه فيها أحد، وإلا فليطرح الأمر برمته على الشعب حتى يقول كلمته في استفتاء شعبي”، متسائلة: “هل يتحرك قادة وضباط جيش مصر، أم سيترك الجنرال السيسي ليدمر مصر، أرضا ونيلا وشعبا وجيشا؟”.
وقدمت حملة “باطل” مقترحا بعمل استفتاء شعبي، ليكون هو الصوت الأخير لشعب مصر، مؤكدة أن السيسي إذا رفض هو وحكومته إجراء استفتاء شعبي، فستقوم الحملة برعاية وتنظيم هذا الاستفتاء على منصتها الإلكترونية.
استفتاء موازٍ
من ناحيته، قال المتحدث باسم حملة باطل محمود ناجي إن الشعب المصري لم يفوض السيسي بالتوقيع على اتفاق المبادئ، ولذا تطالبه الحملة بالانسحاب مما ورط مصر فيه، وإلا فليدعُ إلى استفتاء عام ليقول الشعب كلمته، مؤكدا أن الحملة ستواصل سعيها للتعبير عن صوت الشعب حتى لو تطلب الأمر أن تنظم استفتاء موازيا لو رفض النظام الحاكم.
وأكد ناجي -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن حملة “باطل” تسعى لإثبات الحق التاريخي للمصريين، وأنهم لم يفرطوا فيه وإنما فرط فيه رئيس اغتصب الشرعية بدستور ثبت تزويره، على حد وصفه.
وفي هذا السياق، دعا الائتلاف العالمي للمصريين في الخارج إلى ضرورة تحرك المجتمع المصري بكل مكوناته للانسحاب الفوري من الاتفاقية الكارثية التي وقّع عليها السيسي في 2015، والتي أضاعت حقوق مصر التاريخية والقانونية وأضعفت موقفها في الحفاظ على حصة المياه في نهر النيل، مضيفا أنه يشد على أيدي كل القوى السياسية والشعبية المخلصة والوفية لاتخاذ موقف موحد إنقاذا للوطن والخروج به من كوارث العسكر، بحسب البيان.
تنسيق شعبي مصري سوداني
من جانبه، يرى المتحدث باسم مجموعة العمل الوطني أيمن نور، أن توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على اتفاقية المبادئ عام 2015، كان بمثابة كارثة أدت إلى إهدار حق مصر التاريخي والمشروع في مياه النيل، حيث أقدم السيسي بالتوقيع منفردا دون مشورة أحد، ولم تعرض على مؤسسات الدولة ولا فُتح حوار مجتمعي حولها، ولكن فوجئ الشعب بهذا التوقيع.
وأوضح نور في تصريحات خاصة للجزيرة نت أن مجموعة العمل الوطني لديها رؤية للتعامل مع قضية سد النهضة، تبدأ بضرورة سحب التوقيع على اتفاقية المبادئ، وبالتالي يكون سحب الاعتراف بهذا السد واعتباره سدا عدائيا وتحسين موقف مصر التفاوضي مع إثيوبيا، معلنا عن مساندة المجموعة للدعاوى التي تطالب بسحب الاعتراف والتوقيع على اتفاقية المبادئ.
وأعلن نور تدشين مجموعة العمل مع عدد من الشخصيات الوطنية حملة “اسحب توقيعك”، كما تتجه المجموعة إلى التواصل والتنسيق مع بعض الرموز السياسية السودانية لإقامة جبهة مصرية سودانية في مواجهة هذه المشروع واتخاذ كافة الإجراءات التي من الممكن أن تتخذها الدبلوماسية الشعبية في هذا الإطار.
وفي هذه الصدد، دشنت رموز للمعارضة “الحملة الدولية لحماية مصر والسودان من العطش”، في إطار تلك التحركات.
تحرك سلمي أو عسكري
بدوره، قال محمد سودان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في حزب “الحرية والعدالة” -الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- إن أكبر خطأ وقع فيه السيسي هو التوقيع علي إعلان المبادئ الذي فتح الباب على مصراعيه لتقنين بناء السد، مشيرا إلى أن الحل يأتي من خلال التنكر من توقيع السيسي على اتفاقية المبادئ، حيث جاء ممن ليست له صفه لأنه سلب سلطة البلاد بانقلاب عسكري، كما أن الاتفاقية لم تعرض على البرلمان ولم تحصل على موافقة الأغلبية من ممثلي الشعب، مما يؤكد بطلانها.
وأشار سودان في تصريحات -خاصة للجزيرة نت- إلى أن جماعة الإخوان المسلمين لديها رؤية لحل قضية سد النهضة، تنقسم إلى قسمين رئيسين أحدهما فني والآخر سياسي.
واعتبر أن الحل الأمثل للخروج من أزمة سد النهضة سلميا، هو تمديد ملء السد في 7 سنوات بدلاً من 3، وإيقاف مشروع ترعة السلام الذي يجبر مصر على إعطاء حصة من مياه النيل للكيان الصهيوني، على حد قوله.
وأشار إلى قول الرئيس الراحل محمد مرسي إن “مياه النيل خط أحمر، وإن دماءنا مقابل كل قطرة مياه”، مؤكدا أنه إذا فشل الحل السلمي فلا بد من الحل العسكري لمنع هذه الكارثة من الحدوث.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين اعتبرت -في بيان لها- أن نيل مصر ومياهها خط أحمر للمصريين جميعا، على اختلاف مشاربهم السياسية والاجتماعية والدينية، محذرة من المساس بحصة مصر التاريخية من مياه النيل، مؤكدة وقوفها بـ”كل قوة بين أبناء الشعبين المصري والسوداني في دفاعهما عن حقوقهما المائية”.
تحركات قانونية وشعبية
من جانبه، شدد رئيس المكتب الإعلامي للمجلس الثوري المصري محمد صلاح، على أن توقيع الرئيس المصري على اتفاقية المبادئ عام 2015، هي أقصى جريمة ارتكبت في حق الشعب المصري، كما تعد خيانة للمصريين وبيع وتفريط في مقدرات البلاد، مطالبا بإسقاط النظام العسكري الذي أهان مصر، على حد قوله.
وقال صلاح -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن المجلس الثوري المصري اتخذ خطوات عملية، وهناك تحرك قانوني بالفعل بدأ يتشكل، حيث تم التواصل مع فريق قانوني دولي لرفع قضية على دولة إثيوبيا، كونها اخترقت كافة المواثيق الدولية الخاصة بالمياه، وحق مصر التاريخي، بالإضافة إلى تهديد الأمن القومي المصري.
وعلى الصعيد الشعبي، أكد صلاح أن هناك تحركا دوليا عن طريق الجاليات المصرية في الخارج، وقيامها بالتواصل مع المنظمات الحقوقية والأهلية في البلدان التي توجد فيها، وإيضاح خطورة وجود سد النهضة وتداعيات انهياره على مصر والسودان.
هل تريد التعليق؟