عادت شوارع قطاع غزة للازدحام كعادتها في أيام الخميس والجمعة، كما كانت قبل إجراءات الوقاية التي فرضتها أزمة كورونا، وأبرز الأماكن المزدحمة شاطئ بحر القطاع.
في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، عادت الأسر لاصطحاب أطفالها إلى المتنزهات وبعض ساحات وسط مدينة غزة بالرغم من ضآلة عددها. ومع انتهاء إجراءات الوقاية الداخلية الخاصة بمكافحة فيروس كورونا الجديد وما شهدته من إغلاق جزئي، اطمأن الغزيون وعادوا إلى متنفسهم الصيفي الأبرز: شاطئ البحر.
على غير المتوقع، زاد انتشار الأهالي على الشاطئ بعد انقضاء أيام عيد الفطر، الذي احتفلوا بكامل طقوسه الاعتيادية، بالرغم من عشرات الإصابات بالفيروس، وإعلانات الحكومة في غزة التي تدعو لاتباع الإجراءات الاحترازية في كلّ مكان. فقد عايش سكان القطاع حصاراً آخر غير الإسرائيلي المفروض عليهم منذ 14 عاماً من خلال الحجر المنزلي لمواجهة انتشار عدوى كورونا منذ نهاية مارس/ آذار الماضي. وبذلك، استبعد كثيرون إمكانية العودة للاستجمام على الشاطئ الذي يشعرون بحريتهم عليه.
ومع عودة الناس، عادت مشاهد مألوفة، فبالقرب من الشاطئ عربة بائع البطاطا الحلوة المشوية وهو ينادي عبر مكبر الصوت، يقابله بائع الطائرات الورقية والألعاب البلاستيكية وألعاب البحر، وبالقرب منهما يلعب الأطفال على الرمال ويمرحون بالقرب من أسرهم التي تجلس في المكان نفسه.
بائع البطاطا الحلوة سعيد أنيس، يعمل في فصلي الربيع والصيف منذ 15 عاماً على الشاطئ، وفي فصلي الشتاء والخريف يعمل في النقليات العامة على العربة نفسها التي يبيع عليها البطاطا. لكنّه في أيام انتشار الوباء كان يشعر بالخوف، لا من الفيروس بل من عدم تمكنه من كسب رزقه بسبب توقف الأهالي عن الذهاب إلى الشاطئ التزاماً بنصائح التباعد الاجتماعي وعدم التجمع. يفضل أنيس العمل في بيع البطاطا الحلوة المشوية على العمل في النقليات، فبالنسبة إليه هو عمل أقل إجهاداً، وأكثر ربحاً بعض الشيء. ويشعر في بيع البطاطا براحة نفسية، بل شعر بالسعادة في اليوم الأول الذي حقق فيه مبيعات كبيرة هذا العام، وهو ثالث أيام عيد الفطر. يقول أنيس لـ”العربي الجديد”: “أنا سعيد لعودة الناس إلى الشاطئ، والسيطرة على انتشار الفيروس بيننا. لكلّ أسرة هموم كبيرة كانت حبيسة منزلها في الفترة الماضية، وشاطئ البحر بالنسبة لنا هو الصيف، لأنّ الصيف قاسٍ علينا في منازلنا الضيقة في المخيمات والمدن، التي لا أماكن ترفيه فيها، بل مبانٍ ومنازل ملتصقة، ولا متنفس غير البحر”.
بدوره، يقول المتنزه يوسف طلبة، إنّه ظنّ أنّ الغزيين لن يتمكنوا هذا العام من الاستجمام عند شاطئ البحر بسبب كورونا، خصوصاً أنّ وزارة الداخلية حظرت تجمع الناس أمام الشاطئ بعد الإعلان عن تسجيل إصابتين في مارس الماضي، قبل تخفيف الإجراءات الاحترازية، عقب انتهاء عيد الفطر. واستطاع طلبة قبل أيام أن يقضي وقتاً ممتعاً أمام شاطئ البحر مع أبنائه الستة. ويعيش طلبة في مخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة، في ظروف نفسية صعبة بالترافق مع الأوضاع المعيشية الصعبة التي فاقمها البقاء في المنزل. يقول لـ”العربي الجديد”: “في بداية أزمة كورونا كنت أتخوف من انتشار العدوى بين سكان القطاع، فمنازلنا متلاصقة، وإذا تنقل شخص واحد حامل للعدوى في المخيم سينقل عدواه إلى الجميع. منازل المخيم لا يدخل إليها الهواء وكنا نحتاج إلى الخروج، وها قد تمكّنا من ذلك، وبتّ مع أسرتي نقصد الشاطئ ثلاث مرات أسبوعياً”.
وبالرغم من تصنيف بحر غزة ملوثاً بمياه الصرف الصحي غير المعالجة ووجود أكثر من 10 مضخات لها منتشرة على طول محافظات القطاع، فالأهالي لا يبالون. بعضهم يحرص على الجلوس فقط وقضاء وقت ممتع أمام مشهد البحر، وآخرون يسمحون لأطفالهم باللعب بالمياه، ويعتبرون أنّ البحر متجدد المياه ولن يبقي على تلوثه.
بالقرب من الأعلام السوداء التي تشير إلى خطر السباحة على شاطئ محلة الشيخ عجلين، تجلس عدة أسر. يقول مهدي أبو عرجة: “جميع أراضي قطاع غزة غير صالحة للحياة، فلا بيئة صحية ولا شوارع نظيفة ومجهزة، وحتى إن كان البحر ملوثاً، ليس هناك في القطاع مكان نجلس فيه بمثل هذا الشكل كما الشاطئ… هو ليس متنفساً فقط، بل هو مكان الراحة البعيد عن أخبار السياسة وضجيج الحرب والقصف وغيره… لقد سئمنا من أخبار كورونا والأخبار السياسية جميعها”. ويوافقه الرأي صديقه راشد أبو ردينة، الذي اصطحب أسرته أيضاً، ويقول إنّ الأمر الوحيد الذي فكر فيه خلال جائحة كورونا، الحرمان من شاطئ بحر غزة هذا العام. يوضح أنّه يكره فصل الشتاء، ككثيرين من سكان مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، فهو “فصل لا يرحم منازلنا الرديئة”.
هل تريد التعليق؟