على الرغم من أرقام وحقائق ووقائع تقدّمها جهات عدّة، فإنّ إعلام النظام المصري يروّج للأكاذيب وللإنجازات التي لا يظهر لها أيّ أثر على أرض الواقع أو في حياة الشباب المصري.
في الحادي عشر من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2018 وخلال الندوة التثقيفية التاسعة والعشرين للقوات المسلحة، صرّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبثقة بأنّه “بفضل الله هاورّيكم دولة تانية في 30 يونيو 2020”. واستعداداً للاحتفال بما يسمّيه الإعلام الموالي له “ثورة 30 يونيو”، بدأ مبكراً عرض إنجازات الرئيس المختلفة خلال السنوات الستّ الماضية أي منذ استلامه السلطة رسمياً عام 2014، من بينها ملف الشباب تحت عنوان “مصر تحتضن شبابها وتدفع بهم إلى المقدمة”.
هل تحتضن مصر شبابها بالفعل؟ للإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من سرد حقائق وعرض أرقام عن وضع هؤلاء منذ عام 2014. على الرغم من أنّ حركة تغييرات المحافظين التي تمّت أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شملت تعيين أكثر من 20 نائباً للمحافظين من الشباب، فإنّه يبقى مجرّد تعيين شكلي لم يسفر عن تغيير حقيقي أو اختلاف في حياة الناس أو الخدمات في تلك المحافظات. وفيما يقيم السيسي مؤتمرات عدّة للشباب تحت مسمّى “منتدى شباب العالم” والتي بدأها في عام 2016 في شرم الشيخ، إلى جانب “منتدى الشباب العربي الأفريقي العاشر” الذي أقيم في مصر (أسوان تحديداً) للمرّة الأولى في العام الماضي، فإنّ تقديرات عدد من المنظمات الحقوقية تشير إلى أنّ الشباب يمثّلون النسبة الأكبر من نحو ستين ألف معتقل، بالإضافة إلى مئات الشباب الذين صدرت في حقّهم أحكام بالإعدام وقد نُفّذت بعشرات بالفعل، وإن لم ينهِ بعضها كلّ درجات التقاضي.
كذلك، فإنّ الاعتراف تحت التعذيب نهج مستمر، والجميع يتذكّر محمود الأحمدي وكيف حاول جاهداً أن يبلغ قاضي التحقيقات أثناء جلسة محاكمته في أغسطس/ آب من عام 2016، بما تعرّض له من تعذيب داخل مقرّ الأمن الوطني في لاظوغلي. فهو، على الرغم من احتمالات تعرّضه لمزيد من الانتقام في التحقيق، كشف أمام القاضي والحضور في قاعة المحكمة عن ساقه وذراعه لتظهر آثار التعذيب عليهما. وحينما واجهه القاضي باعترافه، كرّر محمود جملته على مسامع القاضي “يا فندم إحنا بننطحن من رئيس المباحث ومن المأمور.. اتكهربنا كهربا تكفي مصر لمدّة عشرين سنة. ولو على الاعترافات، إحنا بيتحقق معانا لمدّة 20 ساعة كاملة يومياً. إدّيني يا فندم صاعق كهربائي وأخليلك أيّ حدّ هنا يعترف إنّه هو اللي قتل السادات”.
بعد ثورة 25 يناير 2011، أشاد المجلس العسكري بالشباب المصريين واعتبرهم الأمل والقوة القادرة على التغيير، إلا أنّه وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية تحت عنوان “مصر… جيل من الشباب الناشطين في السجون ضمن محاولة لقمع المعارضة”، فقد صار كثيرون من الناشطين ومن المدافعين عن حقوق الإنسان خلف القضبان وكذلك طلاب قُبِض عليهم لمجرّد ارتدائهم قمصاناً تضمّنت شعارات مناهضة للتعذيب.
وفي إبريل/ نيسان من عام 2019، وأثناء الاستعدادات لإجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي سمحت للرئيس عبد الفتاح السيسي بالبقاء في الحكم حتى عام 2030، وفي إطار حثّ الشعب من قبل وسائل الإعلام المصرية على المشاركة وادعاء تقبّل إبداء الرأي بـ”نعم” أو “لا”، اعتقلت السلطات المصرية الناشط أحمد بدوي بعدما تظاهر منفرداً بلافتة كتب عليها “لا” للتعديلات الدستورية وما زال رهن الاعتقال.
في سياق متصل، أُطلقت “خطة الأمل” على يد ثمانية أشخاص، من بينهم عضو البرلمان المصري السابق المحامي والناشط زياد العليمي والصحافيان اليساريان هشام فؤاد وحسام مؤنس، إلى جانب مدير مكتب عضو مجلس النواب أحمد طنطاوي وعضو اللجنة العليا لحزب الاستقلال أسامة العقباوي ومحامين ورجال أعمال. وكان الهدف منها الاستعداد لانتخابات مجلس النواب، إلا أنّهم اعتُقلوا في يونيو/ حزيران من عام 2019 ووُجّهت إليهم تهمة تنفيذ “مخطط إخواني” لضرب الاقتصاد الوطني وبثّ “مناخ تشاؤمي”. ولإجبار أسامة العقباوي على تسليم نفسه، عمدت السلطات إلى اعتقال ابنته مودة، وذلك عقب اقتحامهم منزله لاعتقاله من دون أن يكون هو موجوداً فيه. يُذكر أنّه أُفرج عنها في مايو/ أيار الماضي بعد عام كامل من الاعتقال. وما أثار السخرية أنّ الذين اعتُقلوا بمعظمهم ينتمون إلى التيارَين اليساري والليبرالي، فيما اتهمتهم السلطات بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين. وقد أكد هؤلاء أنّ كلّ من يعارض يُتّهم بأنّه إخوان.
ونتيجة لعمليات التصفية المستمرّة، فقد شباب كثر حياتهم من دون تحقيق عادل وكامل وبلا محاكمات، فيما يخرج بيان وزارة الداخلية بصيغة صارت ثابتة وشبه محفوظة يفيد بتصفية مجموعة من الإرهابيين في تبادل لإطلاق النار. ويُرفَق البيان بصور لقتلى وإلى جانبهم أسلحة. وقد صار ذلك مادة مثيرة للسخرية بسبب إخراجها بالشكل نفسه، من دون ابتكار، وبسبب عدم إصابة أيّ من أفراد الشرطة بجروح على الرغم من استخدام كلمة “تبادل”. وتُعَدّ سيناء المسرح الأساسي لتلك التصفيات المستمرة.
ولعلّ أشهر عمليات التصفية تلك التي تمّت في مارس/ آذار من عام 2016، حين أعلنت وزارة الداخلية عن تصفية أربعة أشخاص ادّعت أنّهم قتلة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي اختفى وسط القاهرة في 25 يناير/ كانون الثاني من العام نفسه قبل أن يُعثر على جثته بعد تسعة أيام وعليها آثار تعذيب. أضافت الوزارة في بيانها أنّها عثرت في منزل أحدهم على جواز سفر الطالب المغدور وباقي مقتنياته الشخصية. وفي وقت لاحق، نشرت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية تقريراً استندت فيه إلى بيان للنائب العام المصري جاء فيه: “بالنسبة إلى التحقيقات الخاصة بوقائع 24 مارس/ آذار الماضي (2016) والمتعلقة بالعثور على أوراق ريجيني في منزل أحد أقارب أفراد العصابة الإجرامية، تبيّن لاحقاً من التحقيقات أنّ هناك شكوكاً ضعيفة بشأن ارتباط أفراد العصابة الذين قُتلوا في مواجهة مع الشرطة في واقعة خطف وقتل ريجيني”. ولم تتمّ محاسبة أيّ من الذين تسبّبوا في مقتل هؤلاء الأربعة من دون أدلة حقيقية ولم يُعوَّض ذووهم حتى اللحظة.
وفي السياق، أصدرت مؤسسات ومنظمات حقوقية مصرية عدّة إحصاءات عن حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي التي وقعت منذ انقلاب الثالث من يوليو/ تموز من عام 2013 وحتى نهاية عام 2019، من بينها أنّ أكثر من 65 ألف اعتقال تعسفي تمّت ما بين التاريخَين المذكورَين، وأنّ 2629 امرأة وفتاة تعرّضن للاعتقال التعسفي في حين ما زالت 121 منهنّ في الاعتقال حتى الآن. كذلك سُجّل ما بين ستة آلاف وسبعة آلاف اختفاء قسري ما بين التاريخَين، علماً أنّ ثمّة 396 امرأة من بينهنّ 16 طفلة تعرّضنَ لذلك. وفي الإطار نفسه، فإنّ نحو أربعة آلاف طفل اعتقلوا تعسفياً وأُخفوا قسرياً خلال الفترة نفسها. تُضاف إلى ذلك 958 وفاة داخل مراكز الاحتجاز، تعود 312 وفاة من بينها لنساء. وقد تعرّض كذلك 250 صحافياً للاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري على فترات متفرقة منذ 2013، ما زال 29 منهم حالياً في واحدة من تلك الحالتَين.
لم يسلم من الوفاة نتيجة الإهمال الطبي لا الكبير ولا الصغير. فقد توفي محمد مرسي الرئيس المصري الوحيد المنتخب ديمقراطياً، بعد ستّ سنوات من السجن اشتكى خلالها من سوء المعاملة والحبس الانفرادي وغياب الرعاية الصحية. وفي جلسة محاكمة، سقط مغشياً عليه في قاعة المحكمة قبل إعلان وفاته بعدها بساعات قليلة.
ولا يمرّ شهر من دون ورود خبر في الصحف عن وفاة معتقل بسبب هبوط في الدورة الدموية أو الإجهاد الصحي أو أزمة صحية، في حين لا ذكر لتحقيقات أُجريت حول هذه الوفيات أو تفسير لتكرار أسباب الوفاة ذاتها كلّ بضعة أسابيع. وبحسب تقارير حقوقية دولية، فإنّ السجون تفتقر إلى أبسط المعايير الإنسانية، ويُصاب عدد من المعتقلين بأمراض نتيجة تلوّث أماكن الاحتجاز ورداءة التهوية فيها واكتظاظها. ووفقاً لتسريبات، فإنّ سلطات السجون لا تقدّم الرعاية الصحية اللازمة وتحرم المعتقلين من المياه الصالحة للشرب إلى جانب سوء نوعية الطعام المقدّمة لهم، وعدم السماح لهم برؤية الشمس. وهذا كله يؤدي إلى أمراض رئوية خطرة بينهم أدّت إلى وفاة عدد منهم بسبب تعنّت سلطات السجن وعدم نقلهم إلى المستشفى أو عزلهم عن الآخرين الذين انتقلت عدوى المرض إلى عديدين منهم. يُذكر أنّ أكثر من 20 سجناً جديداً أضيفت إلى السجون المصرية الموجودة في عهد السيسي، وهو ما كلّف الخزينة المصرية مليارات الجنيهات. وبحسب منظمات حقوقية، فحتى إبريل/ نيسان من عام 2019، بلغ عدد المعتقلين الذين توفّوا بسبب الإهمال منذ الانقلاب العسكري 687 معتقلاً.
“فين الشباب… الكلّ متسجّل غياب”. هكذا عبّر الشباب عن أنفسهم وعن المعاناة التي يواجهونها، على الرغم من عقد مؤتمرات عدّة مخصصة لهم. وتلك المؤتمرات يُختار شبابها بعناية فائقة من الأجهزة الأمنية، فيما يواجه آخرون القمع والبطالة والغلاء وارتفاع نسب العنوسة.
بحسب المراقبين وصلت البطالة في مصر إلى نحو 25 في المائة، فيما تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء إلى أنّها 11.4 في المائة، علماً أنّ الجهاز الإداري للدولة لا تُعيَّن فيه إلا أعداد قليلة وعن طريق المحسوبيات. ووفقاً لتصريح المستشار القانوني لوزارة التضامن الاجتماعي، أحمد الشحات، فإنّ ثمّة 160 ألف موظف يُحالون إلى المعاش (التقاعد) سنوياً، وتلك الأوضاع الصعبة أدّت إلى تراجع نسب الزواج.
وفي دراسته عن العنوسة، حدّد جهاز الإحصاء ستّة أسباب لذلك وهي غلاء المهور، وارتفاع تكاليف الزواج الأخرى نتيجة العادات والتقاليد، وغلاء المعيشة وصعوبة توفير سكن، وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع معدل التعليم بالنسبة إلى الإناث خصوصاً في الحضر والانشغال بالعمل أو الوظيفة من قبلهنّ وعدم الرضا بمن يتقدّم لهن، وضعف الأجور التي يتقاضاها الشباب.
وقد أدّت الظروف الاقتصادية الصعبة إلى ارتفاع معدّلات الانتحار، خصوصاً في ظلّ عدم توفّر مناخ مؤاتٍ لتفجير طاقة الشباب. وعلى الرغم من عدم توفّر إحصاءات رسمية سنوية حول أعداد المنتحرين، فإنّ مصر تحتل المرتبة السادسة والتسعين عالمياً في ما يخص الانتحار بين صفوف الشباب. يُذكر أنّ منظمة الصحة العالمية أفادت في دراسة أعدّتها في عام 2017 بأنّ عدد المنتحرين سنوياً في مصر يتجاوز 4250 منتحراً.
هل تريد التعليق؟