لم تُقدِم حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وتحديداً رئيسها بنيامين نتنياهو، حتى مساء أمس الثلاثاء، على أي من الخطوات الأولية التي يُفترض أن تسبق مباشرة إجراءات إعلان مخطط ضم نحو 30 في المائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة، اليوم، مطلع يوليو/تموز، على الرغم من أن اتفاقية الائتلاف الحكومي بين نتنياهو وشريكه في الحكومة الجنرال بني غانتس، حددت هذا الموعد باعتباره اليوم الذي يمكن لنتنياهو أن يُحضر للحكومة موافقة أميركية على الخطوة، وعرض مقترح قانون لهذه الغاية يتم تقديمه للكنيست، بعد مناقشته في الحكومة والكابينت الإسرائيلي.
وأعلن نتنياهو، في ختام لقاء جمعه بالمبعوث الأميركي آفي بيركوفيتش والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، عصر أمس، أن حكومة الاحتلال “ستواصل العمل على موضوع فرض السيادة في الأيام القريبة”. وجاء تصريح نتنياهو ليؤكد عدم توصله إلى اتفاق مع الوفد الأميركي بشأن بدء إجراءات الضم. وسبق أن اجتمع نتنياهو مع الوفد الأميركي أول من أمس، فيما عاد والتقى به بعد ظهر أمس، بعد لقاء الوفد غانتس، ووزير الخارجية غابي أشكنازي، وكان الاثنان قد أعلنا عن معارضتهما تنفيذ مخطط الضم اليوم، بدعوى وجوب الحفاظ على الاستقرار الأمني واتفاقيات السلام، وفق تصريحات لأشكنازي، ووجوب الاهتمام أولاً بمواجهة جائحة كورونا وتداعياتها وعلى رأسها مساعدة الإسرائيليين بالعودة إلى أماكن عملهم وضمان كسب رزقهم بكرامة، بحسب ما أبلغ غانتس، المبعوث بيركوفيتش.
وكان رئيس الحكومة البديل، وهو التوصيف الإضافي لغانتس، قد أشار أمس في مقابلة مع موقع “يديعوت أحرونوت” بشكل واضح إلى أن اتفاق الائتلاف تحدّث عن جملة الخطوات قبل الضم، ليتبعها بعد ذلك بالقول عند سؤاله ماذا سيحدث غداً؟ “ستشرق الشمس من الشرق وتغرب في الغرب”. لكن أهم ما ذكره في هذا السياق عدا عن تكرار إعلان تأييده للخطة الأميركية المعروفة بـ”صفقة القرن”، أن الاتصالات بينه وبين الطاقم الأميركي ممتازة، مضيفاً أن هناك عدة إمكانيات يجري تداولها.
“يسرائيل هيوم” عن مصادر في الوفد الأميركي: الإدارة الأميركية تتفهم التغيير الذي طرأ على موقف غانتس
وأظهرت تصريحات غانتس توافقاً وتفاهماً بينه وبين الإدارة الأميركية، لا سيما الجناح المتحفظ على خطوة نتنياهو في الظروف الراهنة. ونقلت “يسرائيل هيوم” عن مصادر في الوفد الأميركي قولها إن الإدارة الأميركية تتفهم التغيير الذي طرأ على موقف غانتس. ويشير تصريح غانتس مع امتناع الإدارة الأميركية عن الخروج بموقف في مداولاتها في الأسبوع الماضي، وإيفاد وفد أميركي إلى إسرائيل منذ الجمعة، لمواصلة المباحثات، إلى أن إدارة دونالد ترامب، في ظل الظروف الداخلية التي تعصف بالرئيس الأميركي، واستمرار تراجع شعبيته مقابل ارتفاع فرص وحظوظ منافسه جو بايدن في الانتخابات الأميركية، أن الإدارة وبفعل حسابات ترامب الانتخابية وفشل سياساته الخارجية مع اقتراب موعد الانتخابات، تمارس ربما ضغوطاً على نتنياهو لتأجيل الإعلان عن خطوات الضم، مؤقتاً، والبحث عن سبيل لمضاعفة الضغوط على الجانب الفلسطيني للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وكانت الاتصالات الحثيثة بين الوفد الثلاثي الأميركي في إسرائيل، وبين نتنياهو وغانتس، قد سعت إلى محاولة دفع نتنياهو لتأجيل خطوات الضم، سواء تحت ذرائع عدم انتهاء عملية ترسيم الحدود، أو عدم توفر إجماع داخل الحكومة الإسرائيلية، وهو الشرط الذي أعلن نتنياهو الشهر الماضي أن الإدارة الأميركية تفرضه مقابل تأييد مخطط الضم.تقارير دولية
تقديرات إسرائيلية وأميركية ترجح تأجيل موعد إعلان الضم
في موازاة هذا الشرط، عززت إدارة ترامب من اتصالاتها مع غانتس. وبات الأخير، في ظل تراجع رصيده الداخلي في إسرائيل، أكثر تعلّقاً بعلاقات جيدة مع الإدارة الأميركية، ومع أطراف دولية أخرى تعارض سياسات نتنياهو وتحاول الرهان عليه. ويلتقي غانتس، في سياق هذه المساعي، مع رغبة الإدارة الأميركية بعدم إثارة رد فعل أردني غاضب، أو المسّ بعلاقات إسرائيل مع دول عربية مختلفة، وهو ما يجعل غانتس يكرر الحديث عن وجوب تنفيذ مخطط الضم بالتنسيق مع الشركاء الاستراتيجيين ودعم المجتمع الدولي، في إشارة للأردن، من جهة، وللدول الأوروبية من جهة أخرى. وهو موقف يتماشى مع إدارة ترامب وحساباتها ومصالحها في المنطقة أكثر بكثير من تصريحات نتنياهو المتكررة بأنه لا يقيم وزناً لردود الفعل العربية، طوراً، وادعائه بأن دول المنطقة توافق ضمنياً على المخطط حتى لو أعلنت خلاف ذلك.
ومع أن نتنياهو رد أول من أمس على تصريحات غانتس التي قال فيها إن الأولوية الآن هي إيجاد وتوفير الفرصة للإسرائيليين للعودة إلى عملهم، وإن مواجهة تداعيات كورونا تسبق أي شيء آخر، معتبرا أن قرار الضم ليس متعلقا بـ”كاحول لفان” وزعيمه غانتس، إلا أنه عاد واستذكر هو الآخر أن الأول من يوليو/تموز هو موعد بداية اتخاذ إجراءات الضم وليس بالضرورة موعد تنفيذ الضم.
ومثلما يواجه ترامب مصاعب وحسابات داخلية، فإن بقاء مليون إسرائيلي حتى الآن من دون عمل بسبب كورونا، إضافة إلى تحذيرات الأجهزة الأمنية المختلفة، والردود الدولية المعارضة للخطوة، تزيد من تعقيدات حسابات نتنياهو، لا سيما أن خيار الانتخابات في المرحلة الحالية، على الرغم من أن الاستطلاعات تمنح نتنياهو أغلبية كبيرة، ليس مضموناً لجهة نتائجه في حال استمر تردي الأوضاع الاقتصادية واستمرار ارتفاع نسبة البطالة في إسرائيل.
وكان لافتاً أن نتنياهو دأب، بعد لقائه قادة من المستوطنين الشهر الماضي، على الحديث عن سيناريوهات ومقترحات لفرض السيادة على جزء من المستوطنات، وسط تكرار الإطراء لـ”صفقة القرن”، فيما واجه صعوبة في إقناع المستوطنين وأوساط داخل حزبه بتأييد خطة ترامب بما تشمله من إشارة إلى دولة فلسطينية وفق خطة الرئيس الأميركي الأصلية، كان نتنياهو، ولا يزال يصر على أنها ستكون ناقصة السيادة وكياناً سياسياً ليس دولة حتى لو وصفها ترامب على أنها دولة.
ووفقاً لمؤشرات مختلفة، ونشر وكالة “فرانس برس” أمس ما قالت إنها خطة فلسطينية مقابلة لخطة ترامب، في التوقيت المذكور، يبدو أن الإدارة الأميركية تكثّف أخيراً من ضغوطها عبر أطراف مختلفة، أيضاً على الجانب الفلسطيني لإبداء مرونة ما، والموافقة للعودة إلى طاولة المفاوضات، أو فتح الحوار مع إدارة ترامب بما يمكّن الأخير من عرض إنجاز في سياساته الخارجية، بعد أن فشل في كل الملفات الخارجية، ليصبح بث الروح في مسار تفاوضي إسرائيلي فلسطيني، إنجازاً يغطي على فشله العام.
ويأمل ترامب من هذه الضغوط ورمي الكرة مجدداً في الملعب الفلسطيني، أن يتمكن في حال فشلت جهوده، من رفع التهمة بالمسؤولية عن دولة الاحتلال وإلقائها على الفلسطينيين، الأمر الذي يبقيه في مأمن من غضب أنصار إسرائيل، ويعيد الروح للتأييد العارم الذي يحظى به ترامب من قبل مجموعات المسيحيين الإنجيليين في أميركا، والتي تشكل قاعدته الانتخابية، لا سيما في ظل خسارته لقواعد تقليدية من المناصرين التقليديين للحزب الجمهوري. لكن نتنياهو في المقابل يدرك أن الفرصة السانحة الآن لتنفيذ الضم في ظل رئاسة ترامب، ربما لا تتكرر مع غيره، لذلك يبدو مستعجلاً على تنفيذها. وكان لافتاً في سياق ما نشرته وكالة “فرانس برس” عن الخطة الفلسطينية البديلة لخطة ترامب، إبراز الاستعداد الفلسطيني للمفاوضات مع إسرائيل من حيث توقفت، والإشارة إلى إمكانية القبول بتبادل أراضي، بما يعكس قبولاً فلسطينياً بفرض سيادة إسرائيلية على المستوطنات التي سيتم تعويض الفلسطينيين عن الأراضي التي تقوم عليها.
نتنياهو يدرك أن الفرصة السانحة الآن لتنفيذ الضم في ظل رئاسة ترامب، ربما لا تتكرر مع غيره
هذه المؤشرات وفي مقدمتها توقف دولة الاحتلال وعلى رأسها نتنياهو عن الحديث عن ضوء أميركي أخضر، والاستعاضة عن ذلك بالإشارة إلى حسابات واعتبارات آنية وسياسية دولية، ترجّح عدم إقدام رئيس الحكومة الإسرائيلية، الأحد على خطوات فعلية باتجاه الضم، خصوصاً أنه لم يعلن حتى الآن عن عقد جلسة رسمية للحكومة، أو الكابينت السياسي والأمني لهذه الغاية، أو حتى لمناقشة مقترح قانون أو قرار حكومي بهذا الخصوص على الرغم من أن نتنياهو يملك عملياً أغلبية داخل الحكومة لتمرير قرار بفرض الضم أو إنفاذ القانون الإسرائيلي على المستوطنات الإسرائيلية.
هل تريد التعليق؟