أخبار

واشنطن والأميران.. قراءة أميركية لمستقبل بن سلمان وتهديده لحياة بن نايف

من خلال رسائل عدة، هيأ الأمير محمد بن سلمان واشنطن لتوليه ولاية العهد والإطاحة بابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي كان يمسك بملفات مهمة ولديه صلات قوية بدوائر السلطة في الولايات المتحدة.

ومن بين رسائل التهيئة، استضافة محمد بن سلمان لكتاب رأي من العيار الثقيل في كبريات الصحف الأميركية.

ورتبت السفارة السعودية بواشنطن لقاءات بين بن سلمان وتوماس فريدمان أحد أھم كتاب نیويورك تايمز، وديفید إجناشیوس الكاتب البارز في واشنطن بوست.

وبعد قضاء ساعات مع الأمير الشاب في قصوره داخل السعودية، عاد الكاتبان ليكتبا مقالات لا تعكس إلا الإعجاب بالأمير الشاب الذي “أخذ على عاتقه مهمة إصلاح بلده”.

وكتب إجناشيوس في أبريل/نيسان 2017 متسائلا “هل يمكن لأمير شاب أن يعيد تشكيل بلاده السعودية؟ وهل يمكن أن يجعل رؤيته حقيقية؟”.

وبعد أقل من شهرين تمت الإطاحة بولي العهد محمد بن نايف، وصعد محمد بن سلمان ولي عهد للبلاد.

لكن النخبة الأميركية غيّرت مواقفها من الأمير الشاب بعد مواقف وسياسات تسببت في مآس إنسانية لا تتوقف في اليمن، إضافة لقبضته الحديدية وتنكيله بكل المعارضين والمستقلين داخل وخارج بلاده، وكان أبرزها التخلص الوحشي من الكاتب الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية.

وقبل أيام تناول مقال إجناشيوس في صحيفة واشنطن بوست مسيرة صعود ولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، ثم ما وصفه بانهياره المأساوي لاحقا على يد ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان، وحذر المقال من احتمال تعرض بن نايف للمحاكمة، وهو ما ألقى بالضوء مرة أخرى على أهمية دور واشنطن في قضية خلافة الحكم السعودي.

واشنطن والأميران
تعرف الدوائر الحكومية في واشنطن محمد بن نايف جيدا من خلال ترأسه برامج مكافحة الإرهاب في السعودية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2011 وتنسيقه الواسع مع الأجهزة الاستخباراتية الأميركية.

في حين لم تعرف واشنطن محمد بن سلمان إلا مع تصعيده وزيرا للدفاع بعد أن أصبح والده ملكا للسعودية في بداية عام 2015.

ومنذ منتصف 2015 بدأ صراع صامت بين ولي العهد الحالي محمد بن سلمان وولي العهد السابق محمد بن نايف حول حجم نفوذهما في واشنطن.

وظهرت إرهاصات هذا التنافس للعلن حينما تعاقدت وزارة الداخلية السعودية، التي كان على رأسها حينذاك محمد بن نايف، في مايو/أيار 2017 مع شركة اللوبي “مجموعة سنوران للسياسات” والمعروفة بقربها من إدارة ترامب لتخدم مصالحها وأهدافها داخل العاصمة واشنطن.

وشكل تعاقد وزارة الداخلية مع شركة لوبي خاصة بها إقرارا صريحا بتنافس على النفوذ في الدوائر الأميركية، إذ سبق ذلك تأسيس محمد بن سلمان جهات بحثية وشركة لوبي لخدمة مصالحه بصورة مباشرة في واشنطن.

وبعد تسجيل تعاقد وزارة الداخلية المستقل بخمسة أسابيع، وفي 21 يونيو/حزيران 2017 تمت الإطاحة بولي العهد السعودي ووزير الداخلية محمد بن نايف، وتجريده من كل مناصبه، وتم تصعيد محمد بن سلمان لولاية العهد.

وعادت واشنطن ساحة للصراع مع كشف صحيفة نيويورك تايمز قبل أسابيع عن سعي بعض أعضاء العائلة الحاكمة السعودية المسجونين، من خلال وسطاء لهم، لدفع إدارة ترامب من أجل إنهاء ما يرونه اضطهادا سياسيا من ولي العهد السعودي الحالي.

في حديث مع الجزيرة نت، أشار الباحث بمعهد السياسات الدولية بن فريمان إلى أنه “لا يمكن إنكار أن الولايات المتحدة تلعب دورا في صراع الخلافة في المملكة العربية السعودية. يتطلع محمد بن سلمان إلى دعم ترامب، ونجح بن سلمان في كل محاولاته”.

بيد أن بروس رايدل، وهو مسؤول سابق بوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، يختلف مع ما قاله فريمان، إذ أكد في حديث للجزيرة نت أن واشنطن “تتابع قضية الخلافة في السعودية عن بُعد، إلا أن الرئيس ترامب أرسل إشارات متعددة تشير لدعمه لمحمد بن سلمان”.

مخاوف على حياة بن نايف
وفي حديث للجزيرة نت، أكد بروس رايدل أن “ما قام به ولي العهد السعودي من اعتقال أمير سعودي رفيع بهذا المستوى هو أمر مزعج للغاية. أنا أخشى على حياة محمد بن نايف، ومن الواضح أن محمد بن سلمان يرى في بن نايف تهديدا كبيرا له”.

ويرى فريمان من جانبه أنه وبعد ثلاث سنوات في الحكم تمكّن بن سلمان من السيطرة على ثروات منافسيه، واعتقالهم وتعذيبهم و”حتى قتل خصومه السياسيين والمعارضين، فلم يبق هناك أي فصيل من شأنه أن يمثل تهديدا لبن سلمان”.

ويرى فريمان أن بن سلمان استخدم مزاعم الفساد ذريعة ليقضي على منافس رئيسي مثل محمد بن نايف، “لقد تبنى بن سلمان هذا الأسلوب في الماضي، إن استخدام الاتهامات بالفساد كمبرر لأخذ المال من خصومك السياسيين الأثرياء وتوطيد السلطة هو نهج يسير عليه بن سلمان منذ سيطرته على مؤسسة الحكم السعودي قبل سنوات ثلاث”.

وطبقا لفريمان، تدرك واشنطن أن “حملة محمد بن سلمان على الفساد ما كانت إلا خطوة لبسط سيطرته السياسية باعتقال منافسيه السياسيين”.

موقف جو بايدن من بن سلمان
مع بقاء أقل من أربعة أشهر على الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي قد يسفر عنها خسارة محمد بن سلمان حليفه القوي في البيت الأبيض، يمثل وصول جو بايدن لسدة الحكم سيناريو شديد الازعاج لولي العهد السعودي.

ويمثل بايدن التيار التقليدي في الحزب الديمقراطي، إلا أن هذا التيار يتعرض لضغوط لا تتوقف من التيار التقدمي الذي يريد الانقلاب على السياسات الأميركية التقليدية خاصة علاقة واشنطن بدكتاتوريات العالم الثالث.

من هنا فليس بالمستغرب أن أهم ما ميز بايدن منذ إعلانه الترشيح للرئاسة التركيز على سجل ترامب الداعم لحكام مستبدين حول العالم.

وانتقد بايدن في حوار له مع شبكة “سي بي إس” بشدة “الدعم غير المحدود الذي يقدمه ترامب لولي العهد السعودي محمد بن سلمان”، وأشار بايدن إلى أن “ترامب يجد مبررات لولي العهد السعودية بعيدا عن الحقائق، وهذا يضر بالولايات المتحدة وسمعتها الدولية”.

ودعا بايدن كذلك لإنهاء الدعم الأميركي للحرب التي تشنها السعودية في اليمن، وذكر بيان صدر عن حملته الرئاسية أن “نائب الرئيس جو بايدن يؤمن بضرورة أن توقف الولايات المتحدة دعمها للحرب في اليمن وأن توقف تقديم شيك على بياض للمملكة السعودية بخصوص هذه الحرب”.

وجاء هذا البيان عقب استخدام ترامب حق النقض (الفيتو) ضد قرار الكونغرس بوقف الدعم الأميركي العسكري للحرب في اليمن.

ويعتقد بن فريمان أن “استثمار محمد بن سلمان بكثافة في مغازلة ترامب ودائرته المقربة وخاصة جاريد كوشنر كان له عائد أكثر مما كان يمكن أن يتصوره. ويساعد دعم ترامب لبن سلمان على بسط سيطرته القوية على مفاصل الحكم السعودي”.

ويرى فريمان أنه حال وصول بايدن للحكم فسيفتقد بن سلمان “اعتراض ترامب المتكرر على إجراءات الكونغرس التي يدعمها قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي والتي من شأنها معاقبة المملكة السعودية على القتل الوحشي لجمال خاشقجي”.


هل تريد التعليق؟