مقالات

أحداث اليرموك بين السياسة والعشائرية

كانت أحداث جامعة اليرموك منتصف الثمانينات علامة فارقة في تاريخ الحركة الطلابية الأردنية. فالحراك الذي انتهى بصورة مأساوية بفعل العقلية العرفية التي كانت سائدة آنذاك عبر عن نضج سياسي غير مسبوق. التيارات السياسية إسلامية وماركسية وما بينهما التقت على قضايا مطلبية عادلة للطلاب. تحققت وبتضحيات فادحة نتيجة العقلية العرفية، التي دانتها لجنة التحقيق المستقلة التي شكلها الملك الراحل رحمه الله.

لم أشهد الأحداث يومها مباشرة ودخلت الجامعة في الفصل التالي لها. كنا نتابعها عن طريق جارنا طالب الهندسة محمد حياصات رحمه الله، وكان من قيادات الإخوان المسلمين في الجامعة، اعتقل على خلفية الأحداث، وكانت المرة الأولى التي يعتقل فيها أخ مسلم، وكانت السجون بالنسبة للثقافة الإخوانية مجرد أدبيات على الورق، الصدمة لم تكن في اعتقال عدد من قيادات الإخوان الطلابية، بل كانت في اللغة الجديدة غير المستخدمة. صار ثمة تحالفات مع الحزب الشيوعي والكادر اللينيني والجبهة الشعبية واولئك كانوا مجرد كفار نجاهد أشباههم في أفغانستان!

أحداث اليرموك ذكرتني بها أربعة أمور، الأول نظام العقوبات الذي أصدرته الجامعة الأردنية ولم يقره مجلس الوزراء بعد، والثاني إصدار عقوبات بحق طلاب في جامعة العلوم والتكنولوجيا لأنهم وزعوا منشورات! والثالث القيادي الشيوعي يعقوب زيادين الذي وثقها في مذكراته، والرابع أحداث العنف العشائرية التي شهدتها الجامعة واستدعت تدخل رجال الأمن.

بعد عقدين من الواضح أننا نسير إلى الخلف در. فقوات الأمن التي تدخلت في حينه لقمع أرقى أشكال الحراك السياسي  تتدخل اليوم، وكأنها قوات حرس الحدود التي شكلها جلوب باشا عند تأسيس الإمارة لفض الغزوات العشائرية. هذا الرجوع إلى الخلف لم يكن لأسباب جينية، كان ثمرة منهجية صارمة دمرت الحياة السياسة في الجامعات بقدر ما نمّت الغرائز والنوازع البدائية والعشائرية.

يحدثونك عن التنمية السياسية وتقرأ في نظام التأديب في الجامعة الأردنية (لا العقوبات؟) الآتي من المخالفات:

“المشاركة في أي تنظيم داخل الجامعة من غير ترخيص مسبق من الجهات المختصة في الجامعة، أو الاشتراك في أي نشاط جماعي يخل بالقواعد التنظيمية النافذة في الجامعة أو التحريض عليها”، وفي الفقرة ح ” توزيع النشرات أو إصدار جرائد حائط بالكليات أو جمع التواقيع أو التبرعات التي من شأنها الإخلال بالأمن والنظام الجامعي أو الإساءة للوحدة الوطنية”، والمادة ط ” الإخلال بالنظام أو الانضباط الذي تقتضيه المحاضرات أو الندوات أو الأنشطة التي تقام داخل الجامعة”.

طبعا هذا النظام يقصر التجمعات والنشاطات الطلابية على الاحتفال بيوم الشجرة، وعيد الاستقلال (والمناسبات الواردة في العطل الرسمية)، ولا ينتج غير الجيل الذي شهدناه في أحداث اليرموك قبل أسبوعين، لا التي حصلت قبل عقدين. نظام ينتمي إلى قوة حرس الحدود في غضون تشكل الإمارة، قبل أن يكون ثمة دستور وحقوق دستورية للمواطنين.

السياسة تبدأ في الجامعة، وفي الجفر الذي أغلق دخله طلاب في الثانوية ولم يصلوا الجامعة، وكانوا قيادات سياسية. 

باختصار نحن بحاجة إلى الجفر بالمعنى القديم مدرسة للتأهيل السياسي أكثر من حاجتنا لجامعات مرعوبة من طالب يوزع منشورا ويكتب في مجلة حائط.

هل تريد التعليق؟