نظرية المؤامرة ليست حكرا على العرب. لماذا لا تكون الفضيحة المحيطة برئيس البنك الدولي ونائب وزير الدفاع الأميركي السابق بول وولفوفتز هي مؤامرة عربية بحق الرجل الذي أطاح بنظام صدام حسين؟ فالمرأة العربية (يصعب تحديد أصولها بين ليبيا وتونس والسعودية) التي تنوف على الخمسين ربيعا أطاحت بوولفوفتز بفضيحة تشغل الإعلام العالمي، قد ملأت قلب صقر المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية، وهو الذي كان يوصف بأنه آلة بلا قلب.
هذا الرجل الذي يكرس الصورة النمطية لليهودي، كما في مسرحيات شكسبير ورسامي الكاريكاتير العرب، ويرتدي جوارب مثقوبة (حقيقة كشفت أثناء زيارته الجامع الأزرق في اسطنبول والتقطتها كاميرات المصورين) عيّن شاها علي رضا في برنامج لنشر الديمقراطية في العالم العربي يتبع مكتب ليز ابنة ديك تشيني.
الضجة المثارة ليست بسبب العلاقة العاطفية بين شاها وولفوفتز، فهذا أمر مشروع في الغرب وجزء من الحرية الشخصية، الضجة هي من خلال استثمار تلك العلاقة بشكل يخل بأنظمة العمل. فقوانين البنك الدولي تمنع أن يترأس المسؤول أحد أفراد عائلته، فنقل خليلته إلى الخارجية الأميركية في العام 2005 وزاد راتبها من موازنة البنك، ليصل الى حوالي 200 ألف دولار سنوياً. ورغم أن نية وولفوفيتز كانت إبعاد “شريكته العاطفية” عن البنك الدولي خلال فترة رئاسته له، غير أن “تجاهله لآلية التوظيف وعدم مراجعة المجلس في هذا الأمر قبل إقراره، وضعاه في موقع حرج اليوم قد يؤدي الى إقالته”، حسب ما نقلت الحياة اللندنية.
واعلن مجلس الادارة في ختام اجتماع طويل ان رئيس البنك تصرف منفردا من دون العودة الى البنك او مجلس ادارته. ولم ينفع اعتذار وولفوفيتز خلال مؤتمر صحافي واقراره. اذ ردت جمعية موظفي البنك الدولي على الفور ببيان طالبت فيه باستقالته. وسلطت الفضيحة الضوء على العلاقة بين الاثنين والتي تمتد لأكثر من عشرة أعوام، وتسربت الى الاعلام مع تولي وولفوفيتز منصب نائب وزير الدفاع في 2001.
وجاء في تقرير لمؤسسة “مشروع المساءلة الحكومية” الأميركية المستقلة، نقلاً عن موظفين في البنك الدولي، أن وولفوفيتز أوعز لنائب رئيس شؤون الموظفين بانتداب رضا من عملها مسؤولة اتصالات في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك إلى وزارة الخارجية الأميركية للمساعدة على انشاء برنامج لنشر الديمقراطية في الدول العربية. وبحسب المصدر نفسه حصلت رضا على زيادة أولى مقدارها 47.300 دولار حال تم نقلها في نهاية 2005 ثم زيادة ثانية بمبلغ 13.590 دولارا في العام التالي ليرتفع بذلك راتبها السنوي المعفى من الضرائب إلى 193.590 دولارا متجاوزاً راتب وزيرة الخارجية بأكثر من 7 آلاف دولار.
وطالب رئيس البنك بإبداء شيء من التفهم لما وصفه “محنة انسانية مؤلمة” ألمت به. وقال بشكل غير مباشر إن نقل رضا ألحق بها أذى معنويا ومنحها الحق في مقاضاة البنك، ممتنعا في الوقت نفسه عن ايضاح طبيعة العلاقة التي تربطه بها. إلا أن موظفي البنك أفادوا بأن وولفوفيتز انتهك القوانين الداخلية لهذه المؤسسة التي تحدد سقف الزيادتين الأولى والثانية بـ12 و3.7 في المائة من الراتب، بينما بلغت نسبتا الزيادتين الممنوحتين لرضا فعلياً 35.5 و7.5 في المائة على التوالي.
القصة تذكر بفضيحة وزير الداخلية البريطاني السابق، فالضجة لم تكن لأنه أقام علاقة مع امرأة متزوجة – وبعلم زوجها!– ولكن لأنه أعفى خادمة عشيقته من رسوم مترتبة على خادمتها. وهو ما ينطبق على فضيحة مونيكا لوينكسي مع بيل كلنتون، فالضجة كانت على حنثه باليمين لا بسبب علاقته العاطفية.
ليست مؤامرة ولا انتقاما، لكنها قصة ساخرة تظهر كيف يتناقض قلب يهودي أميركي مع عقله، فالأصل أن يتزوج اليهودي صاحب الأيديولجيا المتطرفة بيهودية، لكنه القلب الذي لا سلطان عليه. ومن يريد محاربة الفساد في العالم من خلال البنك الدولي يمارس الفساد. الأكثر مفارقة وسخرية هو العلاقة غير الشرعية بين نشر الديمقراطية في العالم العربي ومحاربة الفساد.
هاهم أعداؤنا تطاردهم فضائح الفساد من الحكومة الإسرائيلية إلى الأميركية وصولا للبنك الدولي، طبعا الحكومات العربية الظافرة طاهرة بلا فساد، لذلك تهزم في كل حروبها.
هل تريد التعليق؟