مقالات

أزمة النواب الأربعة: القضاء مدخل الإصلاح

كان من إنجازات مجلس النواب الحادي عشر (1989-1993) إصدار قانون محكمة أمن الدولة بحيث جعل أحكامها قابلة للاستئناف لدى القضاء المدني. تحرك المجلس في وقتها كان حافزه الأحكام التي صدرت بحق النائبين ليث شبيلات ويعقوب قرش والتي كانت يوم صدورها غير قابلة للنقض. ولم يخرج النائبان إلا بقانون العفو العام. عاديات التعديلات طاولت الإنجاز، فاستثنيت الأحكام التي تقل عن عامين من الاستئناف وهو ما طبق من بعد على النائب السابق توجان فيصل ويتوقع أن يطبق على النواب الأربعة، مما يعني حرمانهم من الترشح في الانتخابات المقبلة.

الحديث عن الإصلاح السياسي لا يستثنى منه القضاء. وعودة إلى مجلس النواب الحادي عشر فقد كان من إنجازاته أيضا قانون محكمة العدل العليا. تلك المحكمة التي تمكنت في أكثر من مفصل من الحد من غلواء السلطة التنفيذية. مثالان يوضحان ذلك: عندما أصدرت حكومة عبدالسلام المجالي قانون المطبوعات المؤقت سيئ السمعة قررت المحكمة إيقاف العمل بالقانون لعدم دستوريته. وعندما منعت حكومة علي أبو الراغب أحزاب المعارضة من التظاهر نقضت المحكمة قرارها. طبعا احترام الحكومة لقرار القضاء لم يدفعها للتراجع عن قرارها المنقوض بقدر ما دفعها لإصدار قانون مؤقت للاجتماعات العامة!

لا يقبل من حكومة ترفع شعار الإصلاح أن تتعامل مع أزمة النواب الأربعة بهذا الشكل، وإنجازها يكون بنقل النواب السجناء إلى سجن قفقفا تسهيلا لزيارتهم، ونقل أبو فارس إلى وحدة العناية المركزة. عليها أن تبادر إلى تعديل قانون محكمة أمن الدولة، وسحب قانون منع الإرهاب، بحيث تنسجم إجراءات التوقيف مع قانون أصول المحاكمات الجنائية. لنفترض أن محكمة أمن الدولة برأت النواب الأربعة فمن يعوضهم عن الأضرار النفسية والجسدية التي لحقت بهم، والأضرار السياسية التي لحقت بالبلاد.

أعلم جيدا المسافة التي تفصل الإخوان المسلمين عن القاعدة حتى لو قدموا العزاء لأسرة الزرقاوي واعتبروه مجاهدا. على الحكومة أن تعي المسافة هذه. باختصار المسافة لا تتعلق بالمواقف السياسية فهي متشابهة. المسافة لها علاقة بالدستور والقانون والآليات التابعة لهما: مجلس النواب والقضاء. القاعدة تعتبر مجلس النواب مجلس شرك ينازع الله عز وجل في حق التشريع المتفرد به، ويعتبرون المحاكم كافرة لأنها تحكم بغير ما أنزل الله. وللزرقاوي مرافعة مفصلة أمام محكمة أمن الدولة تظهر الفارق بينه وبين أبو فارس ورفاقه.

القاعدة تعتبر العمل السياسي مضيعة للوقت وتخليا عن فريضة الجهاد، الإخوان يعتبرون العمل السياسي ضربا من الجهاد. وفي الوقت الذي يعتبر الإخوان الإصلاح السياسي مدخل التغيير في العالم العربي والإسلامي ترى القاعدة أن القتال هو المدخل الوحيد للتغيير.

الإصلاح السياسي يبدأ بالتزام المعارضة والحكومة بالدستور باعتباره العقد الذي ينظم علاقة المواطن بالدولة. والوفاء بالعقود ولو كانت مجحفة لأي طرف سمة المؤمنين ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود”. وهي لا تنقض بل تعدل بالتراضي.

هل تريد التعليق؟