مقالات

أسرار “الصحوة” في العراق وأوهام الاستقرار الأمني

تتسع الفجوة بين ما يجري على أرض العراق يوميا وما يوثق في الصحافة تلفزيونية كانت أم ورقية أم إلكترونية. فعندما ينشر عن تحالف جديد بين السنة عربا وكردا، وقعه رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي يفترض أن تفتح أبواب المناطق الكردية للمهجرين العرب السنة الباحثين عن الأمن، أو على الأقل تسهل حركة العابرين منهم عبر مطار أربيل. على الأرض لا يتحقق شيء من ذلك. وتظل كل منطقة مغلقة على أهلها.

هذا ما خلص إليه صديق أمضى إجازة العيد في العراق، كانت رحلة مرعبة له ولأطفاله، تلخص المشهد العراقي اليوم. في بعقوبة ثلاث دول؛ دولة المليشيات الحكومية الشيعية. فالحكومة شرطة وجيش وأجهزة ليست أكثر من أدوات بيد ميليشيات جيش المهدي وفيلق بدر. ودولة “الصحوة” أو المليشيات السنية المدعومة من الأميركيين، وما يعرف بـ”دولة العراق الإسلامية” التي تضم تنظيم القاعدة السابق وما تحالف معه من جماعات.

لا جديد في صورة المليشيات الحكومية الشيعية وما ارتبط بها من فرق موت، الصورة المهمة التي نقلها صديقنا عن “الصحوة”، وهي تنظيمات اعتمدت على قوى عشائرية ومقاومين سابقين لمواجهة تنظيم القاعدة الذي تحول إلى دولة العراق الإسلامية. فهم بنظر الناس لا علاقة لهم بالمقاومة التي ما يزال رأسها مطلوبا. ودورهم هو تأمين الحماية لمناطق السنة سواء من المليشيات الشيعية أم من القاعدة. عمليا، بحسب صديقي، فإن “الصحوة” تدفع لناس “خوات” لتأمين الحماية، ويتورط زعماؤها في خطف أبرياء وأخذ فدى عليهم.

ويمارس الأميركيون الترغيب والترهيب لإدخال مناطق السنة في ميليشيات “الصحوة” فالأموال تغدق بغير حساب، ناهيك عما يجبى من “خوات” وفدى. أما من لا يدخل فهو متهم بالولاء لـ”دولة العراق الإسلامية” ومصيره التصفية والقتل، كما حصل مع عائلة من وجوه بعقوبة. فالشيخ محمد داود السالم ونجله عبد الوهاب قتلهما الأميركيون في عملية دهم، وسبق أن قتلوا شقيقهم مدلول و37 آخرين بعد أن تصدت الأسرة لهم مظنة أنهم ميليشيات جيش المهدي.

أما مناطق “دولة العراق الإسلامية” فهي نموذج للتطبيق أكثر الاجتهادات تشددا في دولة بلا حدود ولا جيش ولا أموال. وكأن اسم “الدولة” كفيل بإقامة الدولة. لكن ما يبقي للقاعدة حضورها هو عملياتها النوعية ضد الأميركيين وتصديها لمليشيات الشيعية. 

الصورة التي ينقلها القادمون من العراق تختلف عن الصورة التي ينقلها الإعلام، تنقل “الصاندي تايمز” عن مراسلتها في محافظة ديالى أن زعماء العشائر في ديالى “شكلوا ما يسمى بمجلس إنقاذ ديالى يخوض مسلحوه معركة يائسة ضد القاعدة، وما تزال القوات التابعة لهذا المجلس تحتاج مددا كثيرا لمواجهة مقاتلي القاعدة، هو ما أكده أحد المسلحين للمراسلة ويدعى عمر حامد حيث قال إنه اضطر للفرار بعد ان نفدت ذخيرته”.

ورغم ان القوات الأميركية تتقدم للقضاء على القاعدة في ديالى إلا انها “لا تدخل القرى” التي تقول المراسلة “إن مقاتليها يلحون باستمرار على الأميركيين لتوفير السلاح والذخيرة لهم، لكن ذلك لم يتوفر حتى الآن”. وأضاف التقرير أن زعماء العشائر ذهبوا إلى بغداد فوعدهم رئيس الوزراء نوري المالكي بإرسال جنود عراقيين لدعمهم، لكن هذه القوات لم تصل حتى الآن. والجواب على رؤساء العشائر هو ما جاء في خطاب عبد العزيز الحكيم في العيد والذي أعرب فيه عن تحفظه على مشروع “الصحوة”.

تعكس صورة بعقوبة حال المناطق المختلطة مذهبيا في العراق، التي تظل الأقل استقرارا، قياسا على المناطق المحسومة لصالح مذهب أو قومية. ولا يبدو أنها تتجه للاستقرار على رغم الانطباع أو الوهم الذي يحاول الأميركيون تسويقه من خلال ترويج مشاريع الصحوة.

والوهم القاتل هو ترويج الاستقرار في المناطق الصافية عرقيا أو مذهبيا، فتلك المناطق شهدت حسما لصالح طرف وإلغاء للأطراف الأخرى.

يتحمل كثيرون مسؤولية المأساة التي يعيشها العراقيون اليوم، لكن المسؤولية الكبرى تظل في عنق ساكن البيت الأبيض الذي سيغادره، بعد أن تسبب في مغادرة ملايين العراقيين لبيوتهم، ومئات الألوف لدنياهم. وكل ما سيفعله قبيل المغادرة هو التقاط صور مع قادة “الصحوة

هل تريد التعليق؟