يشبه استخدام نظام بشار الأسد للسلاح الطائفي استخدام السلاح الكيماوي المحرم دوليا. وحتى في أعتى الدكتاتوريات يلجأ لهذا النوع من السلاح بعد استنفاد الأسلحة التقليدية. من اليوم الأول استخدم بشار المذعور مما حل بأقرانه من الطغاة كل أسلحته. استدعى السلاح الإسرائيلي بكل نفوذه الدولي والإقليمي، بقاء النظام ضمانة لأمن إسرائيل، وهو ما صرح به رامي مخلوف علانية للصحافة الأميركية. استعاد لحظة الحرب الباردة واعتبر سورية قاعدة متقدمة لروسيا العجوز المتصابية. وفي ليلة وضحاها أصبح النظام القومي العلماني وكيلا للمرشد الأعلى للثورة الإسلامي يجمع له الخمس. وفوق ذلك استخدام أبشع الأساليب الإجرامية للنظام الأمني من قتل الأطفال واغتصاب النساء والتشويه والتمثيل.
لم تفلح كل تلك الأسلحة القذرة في إخماد ثورة الشعب السوري، لكنها، وللأسف، نجحت في إطالة عمر النظام. وهو في النهاية اعتمد الخيار الشمشوني لتذهب البلاد إلى الجحيم ولأذهب معها. وقد تأكد هذا الخيار بعد مشاهدة ما حل بالقذافي، فهو يعلم حجم الأحقاد التي ورثها نظام الأب والابن، وبالتالي لن يترك البلاد لتنعم بنظام ديمقراطي يحترم كرامة الإنسان، بل سيتركها نهبا للحرب الأهلية الطاحنة التي ستمتد من إيران والعراق إلى سورية ولبنان، ويأمل أن لا يظل الخليج بمنأى عنها.
يدرك النظام الدموي من خلال خبرته في الحروب الأهلية في لبنان والعراق مدى الضرر الذي تتركه، تماما كالسلاح الكيماوي الذي تبقى آثاره لعقود. والذين يتحدثون عن “تطييف” الثورة السورية، يتجاهلون عن عمد أن النظام بطبيعته وتركيبته طائفي. وأنه يشن حربا طائفية من طرف واحد. والناس يدافعون عن أنفسهم في مواجهة جيش طائفي.
لم يكتف النظام بأجهزته وجيشه الطائفي، بل لجأ من اليوم الأول إلى”التشبيح” أي تجنيد المدنيين من أبناء الطائفة العلوية. وفي لقائه مع أنس سويد إمام باب السباع اعترف بشار بخطأ تسليح الحيين العلويين في حمص، وقال إنه سيحاسب النائبين اللذين قاما بالتسليح. كل أهالي حمص ذاقوا الأمرين من السياسة الطائفية للنظام، وكانت هذه من أسباب انتشار الثورة بسرعة فيها. لقد تعامل النظام مع المدينة وكأنها محتلة ويمارس فيها سياسة تطهير طائفي. لم يكتف بإنشاء حيين علويين النزهة والزاهرة وجلب إليهما أبناء القرى من الطائفة العلوية، أعلن المحافظ عن “حلم حمص” الذي تستولي فيه “الدولة” على قلب المدينة السني، وإعادة تركيبه وفق خطط المحافظة الطائفية.
ستشهد سورية اقتتالا طائفيا بعد سقوط النظام، ولهذا يخطط بشار من اليوم الأول. لكن لن يدوم طويلا، لأن التيار العام في سورية غير طائفي. العلويون يدركون قبل غيرهم أن مصلحتهم هي في دولة المواطنة لا دولة الطائفة، وأن كل عقود التمييز لم تنجح في إحداث تنمية حقيقية في مناطقهم. ولكنها نجحت في بناء إمبراطوريات مالية لرامي مخلوف ورفعت الأسد وغيرهما من أذرع النظام الطائفي.
إن التحدي الأساسي للثورة السورية ليس هدم النظام الطائفي، فتلك مهمة باتت قريبة المنال، التحدي الصعب هو بناء النظام الديمقراطي وعماده المواطن الفرد الإنسان، لا الطائفة..
هل تريد التعليق؟