يرى الإسبان أن الحرب على الإرهاب سياسية بالدرجة الأولى ويسخرون من تجربة بوش التي خاضت حربا عسكرية وأمنية فاشلة على الإرهاب.
– برشلونة
تشكل تجربة إسبانيا في التحول الديمقراطي أنموذجا فريدا يصلح للتأسي في العالم العربي. فإسبانيا البلد الزاهر اقتصاديا العضو في الاتحاد الأوروبي الذي يقضي العرب والأفارقة غرقا في سبيل دخوله كان حتى موت الجنرال فرانكو في منتصف السبعينيات يشبه كثيرا من بلدان أفريقيا والعالم العربي، وتمكن بفضل شخصية الملك خوان كارلوس العصرية ونضال الشعب الإسباني من القطيعة مع الاستبداد واللحاق بركب الحداثة.
يركز نادي مدريد المعني بالإصلاح السياسي على البلدان الملكية وقد بدأ علمه في الأردن والمغرب والبحرين نظرا لوجود استقرار سياسي وديمقراطية ناشئة، ويقدم النادي المشكل من سبعين رئيس وزراء في بلدان ديمقراطية فرصة لتبادل الخبرات وتقديم الاستشارة من خلال اللقاءات المباشرة مع من ساهموا مباشرة في التغيير في بلدانهم وليس من خلال البحث النظري فقط.
تحدثت في برشلونة سياسية في الحزب الاشتراكي، وتذكرت سني النضال في حقبة فرانكو في السبعينيات ولم تكن في حينها تختلف إسبانيا عن العالم العربي. تقول إنها كانت دائما تحتفظ بحقيبة ملابسها وفرشاة أسنانها استعدادا للمطاردة والملاحقة. ومن خلال خبرتها النضالية بدتْ أكثر نزاهة من كثير من اليساريين العرب في حكمهم على حماس، على اختلافها مع الحركة الإسلامية المقاتلة إلا أنها تطالب بإعطائها فرصة بما أنها فازت في الانتخابات، وتدعو إلى عدم الخلط بينها وبين القاعدة.
في إسبانيا وبعد ثلاثين عاما من إقرار الدستور والتحول الديمقراطي ما يزال تحدي الإرهاب قائما من خلال منظمة إيتا الانفصالية. ولكنهم يتعاملون مع التحدي بمزيد من الديمقراطية. ويرون أن الحرب على الإرهاب سياسية في الدرجة الأولى ويسخرون من تجربة بوش التي خاضت حربا عسكرية وأمنية فاشلة على الإرهاب.
وقبيل التحول كانت معظم المعارضة مصنفة إرهابية لأنها حملت السلاح. وبعضها كانت له أهداف انفصالية، وهم يسجلون إلى اليوم نقطة في صالح إيتا لأنها اغتالت نائب الجنرال فرانكو الذي لو ظل حيا لما حدث التحول الديمقراطي. في العالم العربي اعترف صدام حسين من موقع الضعف بالمعارضة الكردية المسلحة ومنحها حقوقا، ومن موقع الضعف ذاته اعترفت الحكومة السودانية بالتمرد الجنوبي، إلا أن دولا عربية كثيرة ما تزال ترفض التعاطي مع من حملوا السلاح ضدها ربما انتظارا للحظة ضعف. والأسوأ هو رفض التعاطي مع المعارضة السلمية.
أردنيا يوجد الكثيرالذي يمكن الإفادة منه. وفي لحظات التحول عندهم منتصف الثمانينات تشعر وكأنك تتحدث عن الأردن عام 89، التقى في ظلال الملك رجال الجنرال فرانكو المحترمون مع السياسيين المعارضين، وتوافقوا على الدستور الجديد، في الاجتماعات كان السجان والمسجون على طاولة واحدة ما يذكر بترؤس أحمد عبيدات للجنة الميثاق الوطني.
وفي الجدل السائد أردنيا يمكن الإفادة من تجربة الأقاليم الإسبانية. يفاجأ المستمع لنقاشات الإسبان أنهم بلد كان مهددا بالتمزق لولا نظام الأقاليم، فبرشلونة التي نعرفها من خلال فريق كرة القدم كانت مملكة كتلونيا المستقلة يوما ما. ولها ثقافتها ولغتها، وكذا باقي الأقاليم، وفي الدستور الحديث أقر النظام الاتحادي للأقاليم وصفة لمعالجة خطر الانقسام. وهو ما حصل في الدستور العراقي بعد الاحتلال.
في الأردن الصغير الموحد تاريخيا والذي لم يشهد أي نزوع انفصالي تبدو فكرة الأقاليم بصيغتها المطروحة من لجنة الأقاليم تحويلا للبلاد إلى النظام الاتحادي من خلال البرلمان المحلي والاستقلال الإداري، وهي في منطقة غير مستقرة تسكن شعوبها الهواجس والشكوك فكرة مشوشة وتهدد بنشأة نزعات انفصالية. وإن كان قرار اللجنة نهائيا وليس مطروحا للحوار والاختبار فإن المطلوب تعديل الدستور.
وإن كانت الفكرة قابلة للنقاش وليست نهائية فإن المطلوب هو تفعيل دور البلديات من خلال انتخابات شفافة ونزيهة ومن الممكن أن تربط بوزارة التخطيط بدلا من البلديات لغايات تنموية أو تُدمج وزارتا البلديات والتخطيط معا بحيث توزع الموارد والمشاريع بشكل عادل.
في الدروس الإسبانية تحققت بدايات التنمية الاقتصادية في ظل نظام فرانكو المركزي.
هل تريد التعليق؟