مقالات

أمة بلا حرف أمة بلا شرف

من مقومات وجودنا أمة من بين الأمم الحرف العربي. وشرف الأمة ليس في العنتريات الفارغة بل في الحفاظ على تلك المقومات إنسانا وأرضا وثقافة. ولا قيمة للثقافة العربية والإسلامية من دون الحرف العربي. وليس تكريما للحرف العربي أن يقتصر باعتباره حرف القرآن الكريم المقتصر على الشعائر الدينية الخارج من الحياة اليومية.

صحيح أن القرآن الكريم حفظ الحرف العربي للعرب وللشعوب الإسلامية، لكن ذلك لا يعني أن تتحول اللغة العربية كما تحولت اللاتينية في المسيحية. لا أنفي أن ثمة مؤامرة على وجودنا من خلال ضرب المقومات الثقافية ولكن الانهيار الداخلي أبلغ ضررا من كل تآمر.

من يدقق في صفحات أوسع الشبكات الاجتماعية انتشارا “فيس بوك” يلاحظ ضمورا كبيرا في حضور الحرف العربي، من الأطفال إلى الكبار. فالذين لا يعرفون الإنجليزية يكتبون العربية بالحرف اللاتيني، وهذا لا يحدث في لغات العالم الأخرى؛ فالصينية من أصعب لغات العالم وعدد حروفها بالمئات وهي رموز مركبة أكثر منها حروفا. ومع ذلك يكتب الصيني بالحرف الصيني. تماما كما يكتب الصهاينة بالحرف العبري وهو بالمناسبة من أقرب الحروف الى العربية.

ليس شوفينية وتعاليا على الأمم الأخرى، لكن الأمم الطبيعية تحافظ على حروفها تماما كما تحافظ على ناسها ومعالمها. المحافظة على الذات ثقافيا ونفسيا واقتصاديا هو الذي يمكن الفرد والأمة من الانفتاح والتنوع. من الشائع أن تجد ألمانيا يتقن الألمانية والإنجليزية، والسائد في أوروبا عموما هو اتقان لغتين. ولذا تجد عندهم أدباء مبدعين تماما كما تجد أطباء ومهندسين وعاملي نظافة. وعندنا بات الشائع أن تجد من لا يتقن أي لغة. يعرف قليلا من لغته الأم وقليلا من الإنجليزية.

وحتى لا نتوهم على الجيل الذي نبذ الحرف العربي علينا أن ندرك الضعف الخطير في اللغة الإنجليزية حتى عند من درسوا في الغرب. فلا تكاد تجد فيهم من يتحدث عن موضوع مهم لربع ساعة لا بإنجلزية سليمة ولا بعربية سليمة. أما الكتابة فهي كارثة باللغتين.

التعليم الحديث في كل العالم لا يقوم على أساس تفوق لغة وتعميمها. بل يعتمد على اللغة الأم بشكل أساسي وبعدها من السهل على الطفل أن يتعلم حتى أربع لغات. عندنا تنتزع اللغة الأم من المدارس والجامعات حرفا ومضمونا. ويضيع الأطفال بين لغتين هشتين لا يتمكن من أي منهما. ويجدون من الأسهل عليهم الكتابة بحرف لاتيني في صفحات الفيس بوك.

الضياع والانهيار تجدهما في كل تفاصيل الحياة في نظام السير وفي نظام التعليم وفي الشركات. نحن أمة لم تهن وظل العالم ينظر إليها باحترام ، نابليون جاءنا في غزوته وأعلن إسلامه، والتتار خرجوا من عندنا مسلمين. لكننا نهين أنفسنا ونزدريها بلا سبب.

لا يوجد أجمل من الحرف العربي، وقل أن تجد حرفا يستخدم في الجماليات والزخارف مثله. وبدلا من تعليم أولادنا فنون الخط العربي، نتركهم يهجرونه إلى الحرف اللاتيني.

من لا يحترم ذاته بالضرورة لا يحترم الآخرين ولكنه يخنع لهم. المطلوب أن نحترم ذاتنا ونحترم غيرنا، وذلك يبدأ باحترام الحرف العربي.

هل تريد التعليق؟