تزامن الحكم على القيادي الإصلاحي (نسبة إلى حزب الإصلاح في اليمن) محمد علي المؤيد، مع تعيين الأميركيين مسؤولة جديدة للديبلوماسية العامة، وهو من سوء الطالع للموظفة الجديدة التي اعترفت أمام لجنة مجلس الشيوخ بصعوبة مهمتها. فقضية المؤيد، ونهايتها المأساوية، نموذج لاستحالة الجمع بين الديبلوماسية العامة وإطلاق الحرب على المسلمين بعامة.
فحرب أميركا على “القاعدة” تثير استياء عاما لدى الشعوب الإسلامية، لكن هذه الشعوب تعرف الفرق بين “القاعدة”، تنظيما يعلن حربا مفتوحة على أميركا ومن والاها، وبين عامة الجماعات والمجموعات والمشايخ، التي تحتفظ بمشاعر غير ودية أو عدائية تجاه أميركا ومن والاها. واليمني، تحديدا، يعرف الفرق بين رمزي بن الشيبة، القيادي في القاعدة، والمؤيد، القيادي في الإصلاح. لذلك، لم تثر احتجاجات على اعتقال الأول في باكستان، خلافا لاعتقال الثاني في ألمانيا، ولسان حال الناس يقول لابن الشيبة: “من أرسل الطائرات ليحارب أميركا عليه أن يتحمل مسؤولية حربه”.
قصة المؤيد لا تبدأ من لا أخلاقية الحكم الصادر من المحكمة الأميركية، وإنما تبدأ من لا أخلاقية إجراءات اختطافه في ألمانيا. فالشيخ الذي لا يخفي آراءه ونشاطاته، تعرض لاستدراج من عميل يمني لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، وفي مقابلته للعميل في ألمانيا، تعهد بإيصال مبلغ مليوني دولار لحماس، وهو تعهد قد يصدر عن محمود عباس نفسه! ومن عجائب القدر، أن العميل الذي قبض مائة ألف دولار، انتهى به المطاف إلى إحراق نفسه أمام البيت الأبيض، احتجاجا على ممارسات مكتب التحقيقات معه! والنار التي أحرقته كافية لإحراق صدقية القصة المفبركة بسخافة لا تليق بمكتب التحقيقات في دولة عالمثالثية.
الحكم على المؤيد ومرافقه اعتمد على حيثية وحيدة، وهي تعهده -من خلال استدراج العميل- إيصال تبرعات إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس بقيمة مليوني دولار، وهي حيثية تنطبق على كل القيادات الإسلامية، حتى تلك المقيمة في أميركا. فحماس ليست القاعدة، والفرق واضح بين من يعلن حربا مفتوحة على أميركا ومن والاها في العالم كله، وبين حركة تعلن حربا محدودة المكان والزمان، حربا تؤيدها الشرائع السماوية والأرضية، حربا على المحتل دون غيره.
لا أعرف المؤيد جيدا، ولكني أخاله مثل كثير من أعضاء مجلس النواب الأردني. ولو أن العميل المحروق استدرج نائبا مثل الشيخ عبدالمنعم أبو زنط، لتعهد بإيصال أكثر من مليوني دولار لمن يريدون تحرير الأقصى. معيب أن تحتاج الدولة العظمى المتفردة بقيادة الكون إلى حكاية استدراج سخيفة كهذه! معيب لأنها تعلم أن حماس كانت، إلى عهد قريب، تعمل من داخل الولايات المتحدة. وأذكر أننا في العام 1998 كنا في زيارة لمجلس الأمن القومي ضمن برنامج الزائر الدولي، وقد سألت مسؤول الشرق الأوسط فيه عن موقف الإدارة الأميركية من حماس؟ فأجاب أنها تفرق بين نشاطها الاجتماعي والسياسي ونشاطها العسكري. أهم من ذلك، لنتذكر أن إدارة كلينتون استجابت لوساطة الملك الحسين، رحمه الله، وأفرجت عن الدكتور موسى أبو مرزوق رئيس المكتب السياسي للحركة إذّاك، بعد اعتقاله خلال زيارته للولايات المتحدة، وهي تعلم من الإسرائيليين أن دوره يفوق كثيرا التعهد بجمع التبرعات!
من المفارقات أن الدكتور موسى، عندما أبعد من الأردن العام 1995، اختار الإقامة في اليمن، وفي تلك الإقامة التقى باليمنيين كافة، من أعلى المسؤوليين إلى الشيخ المؤيد، فهل ستطالب المحكمة الأميركية لاحقا بتسلم من التقاهم، أم سترسل عملاء “محروقين” لاستدراجهم؟ وماذا عن إقامته في الأردن قبل ذلك؟ أجزم أن مسؤولة الديبلوماسية العامة لا تستطيع فهم التخبطات الأميركية في المنطقة. وبقدر ما يحتاج الشيخ المؤيد إلى دعم ومناصرة في محنته، تحتاج المسؤولة الجديدة إلى الشفقة والعطف في محنتها التي دفعت من قَبلها إلى الاستقالة. فلو سألتها عن الرسالة الأساسية للحكم على الشيخ المؤيد بالسجن خمسا وسبعين سنة؟ لقالت: “لمسنا تغيرا إيجابيا في مواقف الشعب اليمني بشكل خاص تجاه الولايات المتحدة، خصوصا بعد إعلان الرئيس اليمني نيته عدم ترشيح نفسه، ومن الممكن أن يعمم هذا التغيير على الشعوب الإسلامية، فأردنا أن لا يعيشوا بوهم لا أصل له.. عليكم مضاعفة مشاعر العداء لنا، خصوصا أنكم مجتمع قبلي تسوده قيم الثأر، وعلى قبيلة المؤيد أن تستعد للثأر لهذا العجوز المخطوف.. ومن لا يعجبه كلامي فليحرق نفسه كما فعل عميلنا اليمني”!
هل تريد التعليق؟