قبيل انعقاد مؤتمر “جنيف 2″، نشرت محطة “سي. إن. إن” ووكالة أنباء الأناضول، صورا سربها عسكري منشق لـ11 ألف سجين سوري، صفاهم النظام السفاح خلال الثورة.
العسكري المنشق سرب 55 ألف صورة، جرى إخضاعها لاختبارات فنية أكدت صحتها. وهي صور توثق المتداول والمعروف من قبل، لكن الجديد فيها أن ما كُتب في “شاهد ومشهود” و”القوقعة” وتقارير المنظمات الحقوقية وشهادات الفارين والمنشقين، وجد توثيقا نادرا في تاريخ نظام مجرم أتقن التورية والخداع والإخفاء.
من بتر العضو الذكري للطفل حمزة الخطيب، وثقب جسد ثامر الشرع بالمثاقب، وأحرق وقطع جسد من قال إنها زينب الحصني، لا يستبعد عنه ما فعل في أحد الفروع بـ11 ألف معتقل. لكن النظام أثبت قدرة لا نهائية على الإدهاش. وفي كل تسريب يتحدى آفاق الخيالات السوداء.
المعتقلون كأنهم في مجاعة؛ نحلت أجسادهم، وبانت عظامهم، وقطعت جلودهم السياط. وحشية تشكك في بشرية السلطة الحاكمة في دمشق. فتلك الصور لا تهز ضمير أحد في النظام، غير المصور المنشق! ولا تخلخل صفوف الشبيحة المتضامنين معهم، فهم من اليوم الأول وقفوا مع نظام يعرفون طبيعته جيدا، ولكنهم سينكرون لغايات العلاقات العامة، وسيتهمون المصور بفبركة الصور في إطار المؤامرة الكونية على نظام الأسرة الأسدية.
تلك الصور للمعتقلين العراة، تعري أولا الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي وقف في فترتي رئاسته ضد التدخل العسكري لإنقاذ الشعب السوري، ورفض تسليح الثورة، تاركا الشعب السوري الأعزل عاريا أمام الجلاد. ومن الطبيعي أن تنتج تلك المعتقلات أسوأ أشكال التطرف؛ فمن كان والده أو ابنه أو أخوه في عداد آلاف المفقودين، هل يستبعد عنه أن يفضل “الدولة الإسلامية في العراق والشام” على “جبهة النصرة”؟
إن التطرف الجنيني الذي اخترق الثورة السورية، هو نتاج طبيعي لإرهاب نظام عمره نصف قرن. وإجرام النظام الذي تفاقم في غضون الثورة، وسع الاختراق، وسيتسع أكثر في حال فشل العالم في إزاحة السفاح في حل سياسي، تمهيدا لتقديمه إلى محاكمة عادلة. وأي محب للضحايا يتطلع لوقف معاناتهم، سواء بحل عسكري أم سياسي، والمأمول أن يسهم “جنيف 2” في وضع نهاية للمعاناة سياسيا، أو تقديم الدعم العسكري اللازم للثوار ليتمكنوا من تخليص شعبهم.
للمقارنة، عندما سُربت صور معتقلي سجن أبو غريب العراة من خلال شبكة “سي. بي. أس” الأميركية، لم يخرج بوش منكرا، ولا اعتبرها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مؤامرة على جنوده الذين يقاتلون وراء البحار. أحيل المتهمون العسكريون للمحاكمة، وأنتجت أفلام وثائقية وسينمائية عن الجريمة التي تعتبر نقطة في بحر سجون الاحتلال الأسدي.
واضح أن العالم لا تهمه الكلفة الأخلاقية. لكن العالم كله سيدفع كلفة السكوت على مجرم كهذا، لا بل مساندته!
بالنتيجة، فإن شعبا تحمل الجهنم الذي تكشف الصور بعضا منه، قادر على الانتصار مهما كانت التكاليف، ومن دون منّة من أوباما!
abuhilalah@
هل تريد التعليق؟