على أهمية الانسحاب الأميركي من العراق، إلا أنه لم يأخذ الوقت الكثير في لقاء نوري المالكي وباراك أوباما بحسب الأوساط المقربة منه. الهدف الأساسي من اللقاء كان دعم بشار الأسد. والمالكي الأكثر قدرة في حلفاء النظام السوري على تقديم الدعم، ولو في الوقت الضائع. فهو الوحيد الذي حصل على إجماع إيراني أميركي نادر في التاريخ، إذ حصل على رئاسة وزراء العراق مع أن قائمته حصلت على الترتيب الثاني، بفضل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي ورئيس الولايات المتحدة الأميركية أوباما.
يدرك المالكي قوة إيران وضعف الولايات المتحدة في العراق، لكنه يعرف أن الوضع في سورية مختلف، وأن قرارا أميركيا قادر على إطاحة بشار، وأن قرارا آخر قادر على إبقائه. في لقائه المطول مع أوباما، قال المالكي إن سقوط نظام بشار الأسد يعني قيام حكومة سلفية تهدد استقرار دول المنطقة، بدءا من إسرائيل ومرورا بالأردن والسعودية ولبنان.
تناسى المالكي أنه وصل إلى السلطة على أكتاف حزب الدعوة الإسلامي الذي تكفر أدبياته حزب البعث. وكان في الحزب مسؤول الخط العسكري الذي فجر سفارة العراق في لبنان، وفجر وزارة الإعلام العراقية، وحاول اغتيال طارق عزيز، تماما كما تناسى أن الأميركيين ما يزالون يحتفظون بشكاواه على النظام السوري، سرا وعلانية، لأنه يدعم تنظيم القاعدة ويهدد الاستقرار في العراق.
يعذره الأميركيون لأنهم تعلموا في سنواتهم العجاف في العراق أن هوية الطائفة تتقدم على باقي الهويات، وأنها عابرة للحدود. والمالكي لا يختلف عن ميشال عون الذي طردته الدبابات السورية من لبنان، وعاد ليحتمي بها خوفا من الطوفان السني الذي يغرق المنطقة. وأوباما الذي يقود انسحابا أميركيا من العراق بعد أن خسر الأميركيون نحو خمسة آلاف قتيل و35 ألف جريح وتريليون دولار، يعلم أن تلك التضحيات جيّرت لصالح إيران.
يدرك أوباما أن نظريات التغيير التي تبناها المحافظون الجدد غيرت لصالح أعداء أميركا، وذهبت تضحيات الأميركيين هدرا. وفي الربيع العربي، لاحظ أن الشعوب قادرة وحدها على التغيير، ومن دون كلفة أميركية. رد أوباما على المالكي بأن الولايات المتحدة اختارت أن تقف إلى جانب الشعوب لا إلى جانب الطغاة. وأن الأسد ساقط، وأن وريثه سيكون إسلاميا. ونصح المالكي –المتناسي أنه إسلامي- أن يحرص على علاقات جيدة مع النظام الجديد في سورية.
عاد المالكي وجماعته بخيبة أمل غير مفاجئة، فالمحاولات التي قادها مستشاره عزت الشهبندر لحوار سوري-أميركي سبق أن فشلت، رغم استعداد الأسد للتنحي وإجراء انتخابات ديمقراطية. وبدل أن يترك الشعب السوري وشأنه، بدأ ببرنامج تحشيد طائفي تجلى في إصدار مذكرة اعتقال الهاشمي.
أنصار المالكي يدافعون عن موقفه من الهاشمي بأنه دفاعي؛ هو يريد تثبيت مكانته في ظل انهيار وشيك للنظام السوري. وهم ينظرون من الآن للانقلاب على الأسد، فهو بأدبيات حزب الدعوة بعثي، وسبق لوالده أن روع وآذى مرجع الحزب الراحل السيد محمد حسين فضل الله، والعلويون ليسوا شيعة. فوق ذلك، لقد حارب المالكي التيار الصدري وخاصم إبراهيم الجعفري، فالمصالح تظل أقوى من الحسابات الطائفية.
هل تريد التعليق؟