باختصار، لم ينتصر العدو الصهيوني علينا بسبب مفاعله النووي أوقدراته العسكرية الأخرى التقليدية، وإنما بسبب قوة النظام السياسي الذي يحكم بمعاقبة رئيس وزرائه السابق لأنه اشترى شقة بسعر مخفض، كما رئيس الدولة السابق بتهمة التحرش. وهزائم العرب بعامة، والفلسطينيين بخاصة، هي لأن المسؤول وأبناءه وأقاربه وأصدقاءه محصنون، لا يجوز مساءلتهم أو المساس بهم.
على مدى ساعات ثلاث، تابع المشاهدون العرب المسؤول الأمني الرفيع والقيادي في حركة “فتح”، محمد دحلان، وهو يكيل أشنع التهم بحق الذمة المالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس ونجليه. وبدلا من أن يبادر الرئيس الفلسطيني إلى تقديم درس في الشفافية، من خلال عرض كل ممتلكات العائلة قبل أن يصبح رئيسا وبعد ذلك، تصرف عباس بشكل غريب؛ اتصل بالإعلامي وائل الإبراشي معاتبا!
ليس بسبب نجليه، على افتراض نزاهتهما، بل بسبب الموقف العنصري التحريضي الذي يمارسه الإعلام المصري ضد كل ما هو فلسطيني، كان يفترض أن يبحث أبو مازن مع القيادة المصرية سبل معالجة الكارثة التي خلقها الإعلام المصري من خلال شيطنة الفلسطيني، وليس المس بالذمة المالية لأبناء الرئيس. فألف باء السياسة أن أبناء الرئيس، أي رئيس، لا يخضعون لأحكام التشهير؛ فهم جزء من “الشخصية العامة”. ولذلك خسر ابناه قضيتهما ضد مجلة “فورن أفيرز”. لكن العنصرية تجاه أي شعب أو طائفة أو مذهب جريمة، فكيف إذا كان الشعب الفلسطيني الذي تغنى به المصريون على لسان شاعرهم نجم “يا فلسطينية”!
في السياسة، يظل أبو مازن أكثر وطنية واستقامة من دحلان. وهو يمثل إرث مؤسسي “فتح”، بخيرهم وشرهم، بخلاف دحلان الذي تورط في الدم الفلسطيني قبيل الحسم في غزة، ولا يخفي ارتباطاته الاستخبارية إسرائيليا وأميركيا. لكن حديثه عن ذمة الرئيس ونجليه مشروع، وأسئلته بحاجة إلى أجوبة قاطعة من لجنة اعتبارية مستقلة.
من حيث المبدأ، لا يجوز لزعيم سياسي، فضلا عن ثوري، أن يسمح لنجليه بالعمل التجاري، خصوصا في بلده الذي ما يزال تحت الاحتلال! لا يعرف عن السياسيين البراءة، فكيف إن كانت قوة احتلال كإسرائيل؟ إذ ستسعى الدوائر الإسرائيلية، وهي المتحكمة بمفاصل الاقتصاد الفلسطيني، إلى تقديم كل تسهيلات مشروعة أو غير مشروعة لنجلي الرئيس أو نجلي دحلان أو إسماعيل هنية أو أي مسؤول فلسطيني. ومن خلال هذه التسهيلات يمكن التأثير والتحكم والتشهير والتدمير.
يحسن أن يستفيد أبو مازن من قصة تروى عن نجل الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة. إذ دعا والده لزيارته في شقته الجديدة. وبعد أن أبدى بورقيبة إعجابه بالشقة، سأله عن مصدر تمويلها. ارتبك الابن، وقال إن أنسباءه ساعدوه، وإن البنك أعطاه تسهيلات. قال له الرئيس: هل هذه التسهيلات تعطى لكل الناس أم لأن والدك رئيس؟ وعندما لاحظ ارتباك ابنه، أمره أن يبيع الشقة فورا، وأن يعيد ما اقترضه من البنك، في درس عملي للنزاهة.
لم يكن بورقيبة قائد “منظمة تحرير” لم تتمكن بعد من إقامة الدولة؛ كان رئيس بلد مستقر ومزدهر.
حتى لو عمل وائل الإبراشي ثلاث ساعات يمتدح نجلي الرئيس عباس، فإن هذا لا يعفي أبو مازن من التصرف كأي سياسي في بلد محترم؛ أن يشهر ذمته وذمة عائلته الماليتين، وبعدها ليتاجر نجلاه في دبي مع محمد دحلان، ويتركوا منافسة رجال الأعمال في الضفة الغربية، سواء بالحق أم بالباطل.
هل تريد التعليق؟