لم نكن بحاجة إلى استطلاع رأي يخبرنا بحجم التأييد للثورة السورية في الأردن والعالم العربي؛ إذ يمكن دراسة ذلك من خلال نتائج الانتخابات. فعندما يفوز محمد مرسي بالرئاسة المصرية، نعرف أن أكثرية الشعب المصري مع الثورة. وفي الأردن، عندما نشاهد الحشود المؤيدة للثورة أمام السفارة، مقابل العشرات من الشبيحة، نعلم حجم التأييد. والمسألة في النهاية أخلاقية، وليست الأكثرية مع من. فأكثرية الرأي العام الغربي تقف مع الصهيونية، وهذا لا يعطيها الشرعية.
في الاستطلاع الذي أجراه المركز العربي في الدوحة، تبين أن من يقفون مع بشار، أي الذين يرون الحل في سحق الثورة السورية، لا يتعدون ثلاثة في المئة من الأردنيين. والنسبة -وهذا مفاجئ- تنزل في فلسطين إلى واحد في المئة؛ أي أن كل تجارة تلفزيون المنار والميادين ودنيا وغيرها لم تقنع الفلسطيني بأن بشار يخدم القضية الفلسطينية. والأهم من الاستطلاع هو الدم الفلسطيني القاني الذي أريق في مخيمات اليرموك، ودرعا، واللاذقية. والحركتان الفلسطينيتان اللتان تحملان السلاح فعلا لا قولا، وهما “حماس” و”الجهاد الإسلامي” انحازتا لصالح الثورة السورية.
ليس غريبا أن يرى الثلث أن ثمة مؤامرة على سورية. ولو أجري الاستطلاع في سورية، لقال مئة في المئة إن ثمة مؤامرة. ففي الوقت الذي احتلت أميركا العراق بشبهة وجود سلاح كيماوي، تتجنب التدخل في سورية بسبب وجود السلاح الكيماوي. وأميركا التي أغرقت الأنظمة القمعية بالسلاح، تمنع دخول السلاح النوعي للثوار السوريين. الهدف واضح؛ دخول السلاح النوعي سيحسم المعركة بسرعة لصالح الثوار، والمؤامرة تقضي بإنهاك الدولة السورية ثوارا وجيشا لتبقى حطاما.
الأكثرية، أي نحو ثمانين في المئة تؤيد الثورة السورية بشكل واضح من خلال رؤيتها للحل. وبحسب الاستطلاع “يُمثّل أكثريّة الرأي العامّ الأردنيّ، وبنسبة تتجاوز 82% من المستجيبين، ويؤكد هذا الاتجاه على أنّ حل الأزمة السوريّة يكون من خلال تغييرات سياسيّة جذريّة في النظام الحاكم، عبر تأكيد المستجيبين لاعتقادهم بأنّ الحل للأزمة السوريّة هو بتنحي الرئيس السوريّ بشار الأسد عن السلطة (66 % من مجمل المستجيبين)، فيما عبّر 7 % من المستجيبين عن تصورهم بأنّ الحل الأمثل للأزمة السوريّة هو إسقاط نظام بشار الأسد بأيّ طريقة كانت. فيما لم يكتف 4 % من المستجيبين باقتراح عزل الرئيس فحسب، بل أصروا على أن تجري محاكمته لمحاسبته على ما أقدم عليه أثناء حكمه أو خلال تعامله مع الثورة”.
بالنتيجة لو كان تسعون في المئة من الأمة والشعب السوري يؤيدون تنحي بشار فإنه لن يتنحى، وهو مستعد للقضاء عليهم. ما يجري على الأرض هو المهم، فالصمود الأسطوري للشعب السوري غيّر المعادلة داخليا وإقليميا ودوليا. والأخبار الأهم هي القادمة من طهران، إذ إنها باتت تدرك أنها ستخسر بشار ومعه المنطقة. وقد تلقت لطمة قاسية من مرسي؛ فرغم كل الحفاوة التي قدمها محمود أحمدي نجاد له في طهران، مقابل الجفوة السعودية، إلا أنه أصر على اختصار زيارته إلى طهران إلى خمس ساعات. وفي كلمته كان صارما في الوقوف مع الثورة السورية، وقبله سمع المرشد كلاما قاسيا من رجب طيب أردوغان.
الراجح أن إيران أدركت أن بشار ساقط لا محالة، وهي على الأقل تريد نظاما غير معاد لها، ويضمن مصالحها الاستراتيجية في الصراع العربي الصهيوني، ولا شك أنها فرصتها الأخيرة. ولو تخلت عن بشار، فإنها ستحول خسائرها إلى أرباح، وستختصر كثيرا من الدماء على الشعب السوري. وبتخلي إيران عن السفاح، سيكون أيتام بشار في الأردن والمنطقة أكثر عزلة وتطرفا، ولا بواكي لهم.
هل تريد التعليق؟