مقالات

أين مصالح الشركات في إطلاق المواقع الإباحية؟

توجد مصالح للشركات في إطلاق يدها، وكف يد المجتمع والدولة. وهذه مصالح تجارية بحتة، لا علاقة لها بحرية الرأي والفكر. وحسب ما علمت، فإن إحدى شركات الاتصالات خصصت موظفين للرد على حملة حظر المواقع الإباحية، وهذا من حقها، لكن عليها أن تفصح عن مصالحها الخاصة في مواجهة المصلحة العامة. وهذا لا يعني بالتأكيد أن كل من يعارض الحملة هو صاحب مصلحة شخصية، أو لديه هوى. من قال إن الدولة لا تحمي المجتمع، حتى في أعرق الديمقراطيات؟ ومن يندبون حرية التعبير عليهم أن يتذكروا أن الدولة عندنا حجبت وتحجب مواقع سياسية، وصدرت أحكام من محكمة أمن الدولة بحق معارضين وجهاديين بناء على مواد على “النت”، في المقابل لا تمارس ما تمارسه الدول الديمقراطية من حماية للمجتمع.  في المجتمعات الليبرالية الحديثة، تجد الأسرة مكونة من طفل أو طفلين، والمدارس تضم عددا قليلا من الطلبة، ووسائل الإعلام والتنشئة تمارس دورا حاسما في تقوية مناعة المجتمع، بما يجعل تدخّل الدولة محدودا جدا، ليس في الإباحية فقط، بل حتى في الكلام العنصري والجارح والخادش للذوق العام. مع ذلك، توجد آليات للمجتمع والدولة في الرقابة والمحاسبة.
المفارقة أن الأصوات التي انبرت للرد على حملة الحجب لم نسمع لها صوتا عندما صدرت أحكام قاسية بحق نشطاء على “النت”، ولم نسمع معارضتهم لحجب المواقع الإعلامية أو الجهادية، مع اختلافي مع تلك المواقع. ليرحمنا الذين عاشوا في بريطانيا ولديهم طفل أو طفلان ينفقون عليهم في اليوم ما ينفق على أقرانهم في شهر؛ فأنا أتحدث عن أسر كبيرة وفقيرة تشكل أكثرية المجتمع، وتفتقر إلى القدرة المادية والعلمية والتأهيل الثقافي والتربوي. هذه الشريحة الكبيرة ليست موجودة، بهذا الحجم، في بريطانيا وغيرها.
في مقالي أمس عن حجب المواقع الإباحية “يكرهون الإسلاميين أكثر مما يحبون أولادهم”، استغربت النظرة الاستشراقية للمجتمع، واستسهال التعميم على مجتمعات نامية. فالمثال البريطاني الذي ضربته ليس بقصد تعميمه على الأردن، وإنما لتوضيح المشكلة في سياقها الإنساني والعالمي. ومن لم يزر الغرب أو يعش فيه، يعرف جيدا من خلال مشاهدة الأفلام والمسلسلات كم تبذل تلك المجتمعات لحماية الأطفال في البيت والمدرسة والشارع، بقدر ما يرى بعينه حجم الإهمال بحق أطفالنا في البيت والمدرسة والشارع.
يفترض أن ثمة اتفاقا عاما على حماية الأطفال من المواقع الإباحية. وفي ظل مجتمع مثل مجتمعنا، فإن الحجب العام أفضل. وهذا يتوازى مع جهود تربوية وإعلامية وثقافية تربي الأطفال والمراهقين تربية جنسية صحية، وتنشئهم نشأة سوية طبيعية. طبعا، لا يوجد قرار كامل مكمل، وللحجب سلبياته، وحكوماتنا لا تحمل نوايا حسنة تجاه الحرية في الإعلام وغيره. لكن إن كانت الحكومات سيئة، فهذا لا يعني أن نضحي بأطفالنا. وبخصوص الكراهية، فأنا أعرف مجتمعاتنا جيدا، وأعتقد أن الكراهية تشكل محركا أساسيا في سلوك كثيرين. وأعرف ليبراليين يفضلون العيش مع الإسرائيليين على العيش مع الإسلاميين، تماما كما أعرف إسلاميين على استعداد للعيش في تورا بورا والتخلص من مظاهر الحياة الليبرالية. الكراهية هي سلوك اختياري أيضا، ويعبر الإنسان عن حريته عندما يقول “أنا أكرهك”! مع أني أتمنى أن تكون مجتمعاتنا قائمة على المحبة.

هل تريد التعليق؟