ليس سؤالا مستهجنا. فبعيدا عن اللغة الخطابية المنافقة أمام العامة تتحدث فئات سياسية بلغة تحريضية على الإسلاميين في الغرف المغلقة تجعل الإسرائيليين أقل خطرا من التحدي الوجودي الذي يشكله الإسلاميون. وكأي لغة تحريضية تغيب التفاصيل والتعقيدات لصالح الأحكام النمطية المطلقة، وتلتقط من اللحظة الراهنة تفاصيل تخدم المطلق.
ما بعد غزة بنظر المحرضين يعني ببساطة أن الإسلاميين سرقوا الشارع، وكما تهيأوا لتسلم الحكم بعد الانتخابات التي فازت بها حماس يتهيأون اليوم لتسلمه بعد نجاح انقلاب حماس وخروجها منتصرة من الحرب الإسرائيلية. وهؤلاء الأصوليون لا يمكن التلاقي معهم لا ثقافيا ولا سياسيا، على خلاف الإسرائيليين الذين يشبهوننا ثقافيا، ويمكن أن نتوصل إلى حلول سياسية معهم.
هذه اللغة تقتبس حرفيا من التيار الإسرائيلي في السلطة. وتدخل في تفاصيل اللباس والمأكل والمشرب لتؤكد أن ما يجمع مع الإسرائيليين الذين يشكلون امتدادا للغرب المستنير أكثر مما يجمع مع الأصوليين الذين يعتبرون امتدادا للماضي المتخلف.
وحتى لا يتهموا بالعمالة يتحدثون قليلا عن المخاطر الإسرائيلية التي يمكن احتواؤها بتعزيز التحالف مع تيارات السلام الإسرائيلية (على رأسها أولمرت وباراك .. وباقي المتهمين بجرائم الحرب) وطمأنة التيارات المتشددة ( مثل نتنياهو وباقي المصاريع ..). معطوفا على ذلك شبكة الحماية التقليدية التي يؤمنها التحالف التاريخي مع الولايات المتحدة الأميركية.
تصدر اللغة السالفة عن نوعين من الفئات السياسية الأولى مستشرقة لا تفهم الأردن ولا فلسطين ولا الصهونية ولا حتى الغرب الذي تعبده. وهي لا تفهم إلى اليوم لماذا يتضامنون في مدن الغرب مع غزة. والثانية انتهازيون تغيظهم شعبية الإسلاميين، ويرون أن انفتاح النظام على الإسلاميين سيكون على حسابهم وسيخرجون من قاعة التداول. فكيف ينافس من لا يستطيع أن يجمع عدد 500 لتشكيل حزب مع من يحشد 50 ألفا. ينافس بالافتراء والغيبة والنميمة والتحريض الأخرق.
ببساطة لم تتفوق إسرائيل لأنها تستخدم الفوسفور الأبيض، بل لأنها طورت نظامها السياسي وغدا قادرا على استيعاب كل التناقضات وتحويلها إلى طاقة دافعة للمجتمع. فتجد الأحزاب الدينية (مثل شاس) التي تكفّر دولة إسرائيل تتدلل على الأحزاب العلمانية التي بنت دولة الاحتلال لتحصيل مقاعد وامتيازات في الحكومة. وتجد لحى أطول من لحية إسماعيل هنية في مجلس الوزراء وفي الجيش وفي الشركات. وعلى عنصرية الدولة اليهودية تجد أحزابا عربية قومية وإسلامية ويسارية تنافس في الانتخابات.
حورب الإخوان المسلمون في الأردن في الانتخابات البلدية والنيابية وأخذت منهم جمعية المركز الإسلامي هل انقرضوا؟ كل تلك الملفات غدت كتبا فضائحية في منظمة هيومن رايتس ووتش ولم ينل البلد منها غير السمعة السيئة. في المقابل هل نزل الإخوان تحت الأرض وخاضوا كفاحا مسلحا؟ وفي حرب غزة بدا بشكل قاطع أن تلك الآلاف الهادرة في ستاد عمان أكثر وعيا وانضباطا من جمهور كرة القدم الذي تصدر عنه هتافات تشكل تهديدا وجوديا للبلد عندما تمس وحدته الوطنية ونسيجه الاجتماعي.
ما حصل في غزة، أكد ببساطة أن الخطر الأكبر هو المشروع الصهيوني الدموي، الذي لا يقيم وزنا لا للمجتمع الدولي ولا لشرائعه، وأن رأس الحربة في مواجهته هم الإسلاميون. أما المستشرقون والانتهازيون فهم من لا يمانعون في تولي الحكم ولوعلى ظهر دبابة إسرائيلية.
هل تريد التعليق؟