لو أن ذوي رائد البنا لم يقيموا ” عرس شهيد “.. لو أن الغد لم تنقل خبر ” العرس .. لو أن ” الحرة ” الأميركية لم تبث تقريرا عنه.. لو أن منصور عمل محاميا في الأردن ولم يذهب للعراق ..لو.. هل كان العلم الأردني سيحرق في العراق ؟ الإجابة ببساطة: نعم . فثمة مشكلة كبيرة قد يكون الإعلام أحد عناصرها لكنه ليس العامل الحاسم فيها. ليس في الإجابة حدس ولا إدعاء بغير علم .
ببساطة هل تذكرون يوم تفجير السفارة الأردنية في بغداد ؟ في ذلك اليوم أحرق من تظاهروا عفويا عقب التفجير العلم الأردني وصور البتراء و … شاهدت ذلك بعيني , وأكثر ما حيرني أن المتظاهرين كانت أولويتهم التعبير عن سخطهم على الأردن أكثر من إنقاذ الجرحى وانتشال الجثث المحترقة التي تبين أن كلها تعود لعراقيين .
أصابع الاتهام في حينه, حتى من قبل أميركيين، وجهت لزعيم المؤتمر الوطني أحمد الجلبي, استنادا إلى حملة التحريض التي شنها على الأردن. لكن تبين, على الأقل لجهة التحقيق الذي لم تبت فيه محكمة أمن الدولة , أن وراءها أردنيين يتبنون الفكر السلفي الجهادي. وخرج الزرقاوي بعد انكشاف محاولة تفجير مبنى المخابرات العامة بتسجيل يعتبر استهداف السفارة ومبنى المخابرات أعمالا جهادية.. وللعلم ثمة قضيتان منظورتان أمام محكمة أمن الدولة يربط بين المتهمين فيهما وتفجير السفارة .
ليس في ذلك تبرئة للتيار المعادي للأردن, صحيح أنه لم يفجر لكنه اقتحم السفارة وحطم محتوياتها وأحرق العلم الأردني.. وهو يقوم بدور متقدم في تأجيج المشاعر ضد الأردن. وفي مجتمع منقسم كالعراق يجد بيئة خصبة للتحريض وتهييج المشاعر المحتقنة منذ عقود .
التشخيص الدقيق يعالج المرض والتشخيص الخاطئ يفاقمه. فثمة عراقيون وأردنيون وسوريون وسعوديون ويمنيون و… يقاتلون في العراق. لا يقاتلون الأميركان فقط بل بعضهم تفاخر بقتل عراقيين لأنهم في مجلس الحكم أو في الحرس الوطني أو في الشرطة . المشكلة ليست وافدة , فـ”القادمون من الخارج” لا يسبحون في السماء ولا بد أن يجدوا بيئة خصبة متعاطفة معهم على الأرض. وهذه البيئة متوافرة في ظل انقسام المجتمع العراقي. وانقسام كهذا هو مسؤولية حكمٍ قمعي دام عقودا واحتلال غبي وليس مسؤوليةً أردنية .
بعيدا عن الإنشاء, هل يسمح الأردن بدخول مقاتلين عرب من أراضيه؟ الإجابة عند الأميركيين الذين ما انفكوا يشيدون بالتعاون الأمني الأردني. وسبق لأكثر من مسؤول أميركي وعراقي أن اتهم سورية وإيران بعدم ضبط حدودهما. والشعلان هدد بنقل المعركة إلى شوارع دمشق وطهران. رائد البنا غادر بلاده آخر مرة إلى سورية. ليس المطلوب في هذه المرحلة نقل الكرة إلى ملعب آخر، لكن حتى لو أغلقت الحدود بالكامل بين العراق وجواره تظل المشكلة عراقية أساسا .
لا يمكن فبركة مشاعر الشارع الأردني المعادي للاحتلال الأميركي, لكن الدولة الأردنية أوضحت مواقفها الأمنية والسياسية والفكرية. ليس للمواطن الأردني بل للجهات الشيعية النافذة وتحديدا مرجعية السيد علي السيستاني. فالأردن الرسمي أصدر أحكاما غيابية بالإعدام على الزرقاوي وحشد تظاهرة ضخمة أخرج فيها حتى طلبة المدارس ضده, كما أن الزرقاوي استهدف عناصر في الأمن الأردني قبل استهداف الأمن العراقي, وعلى صعيد سياسي وقف الأردن إلى جانب التغيير في العراق واعترف بمجلس الحكم والانتخابات و… الأهم من ذلك على مستوى فكري كان الأردن الدولة العربية الوحيدة التي تستضيف زعامات شيعية وتستقبلها استقبال رؤساء الدول. كان ذلك قبل سقوط نظام البعث, وليس سرا الفتور الذي شاب العلاقات يوم وفاة أستاذ السيستاني أبو القاسم الخوئي حيث عاتب الملك حسين صدام حسين علنا لعدم السماح له بالعلاج في الأردن .
فوق ذلك عندما كانت مراسم العزاء الحسيني ممنوعة في العراق ألم يقمها الشيعة في مؤتة مع أن الأردن لا توجد فيه طائفة شيعية ؟ ومع أن ذلك كان يثير غضب المسؤولين العراقيين إذاك ؟
البعض قد يدعو إلى إغلاق الحدود مع العراق, لكن المواطن العراقي سيكون المتضرر الأساسي هنا، الذي لا يجد متنفسا إلا في الأردن. ولا يسمح له بدخول أي بلد غير الأردن بدون تأشيرة وتعقيدات. هذا الحماس مدمر فالعراق ليس سيريلانكا ولا تستطيع السياسة تغيير حقائق الجغرافيا والتاريخ. العراق وإيران احتربا ثماني سنوات والكويت استبيحت باحتلال ظالم، لكن كلا البلدين يرمم علاقاته مع العراق. ما بين الأردن والعراق لم يصل إلى هذه الدرجة . ثمة مشكلة نعم، لكنها قابلة للحل .
هل تريد التعليق؟