عرّت جماعة الإخوان المسلمين في مصر النظام والقوى الحليفة له المتسترة بأردية اليسارية والليبرالية، ولولا مشاركتها لتمت الانتخابات بـ”صورة نزيهة”، ولأسكتت القوى المصنوعة والمفتعلة بقليل من فتات يحفظ ماء الوجه لرموز باهتة لفظها الزمان والمكان.
ولا تقلل مشاركة الإخوان النضالية بمعنى الكلمة، من نضال المقاطعين المنتمين إلى مدارس متعددة منها اليسار والليبرالية بمعناهما الحقيقي انحيازا للفقراء والحرية الفردية، ولا بالمعنى المزيف الذي يعني التكسب والارتزاق من فتات الفساد والاستبداد.
لم تكن مسوغات المقاطعة أقل وجاهة من مسوغات المشاركة. فالنظام لا يريد ولا يستطيع إجراء انتخابات نزيهة. وأي حضور للمعارضة سيكون، وفق آليات التزوير والبلطجة، ضعيفا وهامشيا. وقد أثبتت التجربة العملية أن النائب عن الإخوان مكبل أكثر من المعتقل لدى أمن الدولة.
غير أن المشاركة قدمت للعالم صورة مشرقة للإخوان المسلمين وهم يدافعون عن حق شعب مصر في الاختيار. ولو أنه أخذ حقه الطبيعي في الاختيار لحكم الإخوان مصر منذ عقود.
تشبه تجربة عزل الإخوان تجربة عزل الحزب الشيوعي الإيطالي، مع فارق جوهري أن الأخير عزل بأدوات ” ديمقراطية” حافظت على إيطاليا بلدا حديثا ومزدهرا، لا بأدوات قمعية دمرت مصر وجعلت منها بدا متخلفا فاسدا.
في إيطاليا ناضل الشيوعيون ضد النظام الفاشي، وبعد الحرب العالمية الثانية تأهلوا قوة شعبية أولى، غير أنهم لم يستطيعوا كسر حاجز الخمسين في المائة وإن قاربوه. ومع ذلك وفق النظام الدولي في حينه لم يقبل أن يحكم الشيوعيون إيطاليا، فظلت الحكومات تشكل من تآلف أقليات لا تكمل عاما إلا وتنهار.. المهم أن يظل الحزب الشيوعي معزولا.
شكل الشيوعيون مع ذلك أكبر الكتل النيابية وظلوا قادرين على قيادة النقابات وتحريك الشارع، ذلك الوضع لم يكن ليقبله الشباب المتحمس فرد بـ” الألوية الحمراء”؛ فالشيوعية الثورية هي القادرة على انتزاع حقوق الشعب لا الشيوعية الديمقراطية المهادنة. وتورطت الألوية الحمراء بأعمال إرهاب واغتيالات أضعفت شعبية الشيوعيين.
تنظيمات الجهاد والجماعة الإسلامية والقاعدة وغيرها ” ألوية حمراء” يتجاوز محلية إيطاليا. ألوية تضرب في أميركا والغرب والعراق وأفغانستان والصومال واليمن. إن الإسلام الجهادي ( مع مراعاة الفارق بين حركات المقاومة الوطنية والجهاد العالمي)، سيستفيد كثيرا من نتائج الانتخابات المصرية. وسيقال :”ألم نقل لكم لا جدوى من اللعبة الديمقراطية؟”.
واشنطن أوباما تخلت علن مرحلة ” التبشير” الديمقراطي، ولا يعرف كيف ستحول فزعها وخيبة أملها من الانتخابات المصرية إلى سياسات. ففي أول رد فعل رسمي لواشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي، مساء الاثنين “إننا نشعر بخيبة الأمل” جراء الأنباء التي ترددت عن إفساد أنشطة الحملات الانتخابية لمرشحي المعارضة. وأضاف أن واشنطن “فزعت من الأنباء عن أعمال التدخل والتخويف من جانب قوات الأمن يوم الاقتراع”، خصوصا أنها تعرف جيدا أن محمد عطا ومحمد عاطف والظواهري وغيرهم من قيادات القاعدة لم تتح لهم فرصة الاقتراع الحر يوما في حياتهم.
هل تريد التعليق؟