لم يُظلم حاكم في التاريخ كما الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز. فصراعه مع الزعيم جمال عبدالناصر، حوله إلى مجرد حاكم عربي يعبر عن المصالح الأميركية، مع أن سيرة الرجل تكشف عن معدن نادر من الرجال. فبقدر ما حدّث في الدولة السعودية داخليا؛ ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، قاد سياسة خارجية مستقلة، دفع حياته ثمنا لها.
اختلف مع عبدالناصر على المشروع؛ فيصل كان يريد “نهضة إسلامية” وعبدالناصر كان يريد نهوضا قوميا. لكن كلاهما لم يكن له مشروع شخصي و”بزنس”! في العام الماضي، وفي زيارة لمعرض فلسطين في “الفيصلية” بالرياض على هامش توزيع جائزة الملك فيصل العالمية، هزني طابع كان يوزع في عهد الملك فيصل كتب عليه “القدس أولا”!
إن الصراع مع الصهيونية لا يتعارض مع الصراع مع الطغيان والجهل والفقر؛ على العكس فالصراع مع العدوان الخارجي لا يقل أهمية عن الصراع مع أعداء الداخل. يصعب ملاحظة إرث فيصل في السياسة الخارجية السعودية. ربما يرجع ذلك إلى سياسة الانكفاء في السنوات الأخيرة والانشغال بحملات العلاقات العامة مع الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر. اللافت هو بروز هذا الإرث في غضون التحرك الفلسطيني لإعلان الدولة في الأمم المتحدة، وللمرة الأولى يرفع العلم السعودي في غزة والضفة. مقالة الأمير تركي الفيصل، المدير السابق للاستخبارات السعودية، في نيويورك تايمز، الثلاثاء الماضي، تعبر عن ذلك الإرث. واللافت نشرها في صحيفة معروفة بمواقفها المؤيدة للصهيونية. يحذر الفيصل الولايات المتحدة من أنها بوقوفها “ضد الدولة الفلسطينية.. ستخسر القليل مما تبقى لها من الصدقية في العالم والعربي والإسلامي”، وهو ما يجعل “العلاقات الخاصة بينها وبين السعودية” مهددة، إذ سينظر لها باعتبارها “علاقات ملوثة بالنسبة لأكثر العرب والمسلمين”. ويرى أن وقوف الولايات المتحدة ضد إعلان الدولة سيتسبب في “تحطيم كبير” للعلاقات السعودية-الأميركية، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من سوء العلاقات مع العرب والمسلمين. وبنظرة، فإن هذه السياسة تقوي إيران فقط.
بنظر الفيصل فإن السعودية في جعبتها الكثير، وتستطيع أن تعزل سياستها عن الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان واليمن.. ويخلص إلى أن بلاده “لا تستطيع التعاون” مع أميركا إن أخذت موقفا ضد الدولة الفلسطينية. الولايات المتحدة أخذت موقفا، على رأي كاتب إسرائيلي، وكأن خطاب أوباما أرسل بالفاكس من مكتب نتنياهو.
فهل نرى إرث فيصل في الأيام المقبلة؟ ما لم يقله تركي الفيصل، أن المنطقة العربية تغيرت، والربيع العربي جعل كلمة الشعوب هي العليا، ولن يستطيع الحكام أن يصموا آذانهم عن مطالب شعوبهم المتضامنة مع الفلسطينيين. وعلى الولايات المتحدة أن تتعامل مع هذه الحقائق المستجدة. لقد مضى زمان التفاهم مع الحكام في الغرف المغلقة. المأمول أن تكون المقالة تعبيرا عن انطلاقة جديدة، لا مجرد ضغط على الأميركيين.
هل تريد التعليق؟