من الطرائف التي تعكس دقة في التحليل النفسي، قول لبناني “أنا أكره العنصرية والفلسطينية”، أو وصف النظام المصري تاريخيا بأنه “يحب فلسطين ويكره الفلسطينيين”. العبارات نفسها تنطبق على المسيحي والشيعي والسني والكردي. فالعنصري والطائفي البسيط، هو الذي يظهر مشاعره بفجاجة؛ لكن المركب والمعقد هو من يخفي ذلك بستار كثيف من الأيديولوجيا الماركسية أو الليبرالية أو الإسلامية.
ومن أصول علم النفس، أن العقد تستحكم إن انتقلت من الشعور إلى اللاشعور. ولكن بأسئلة بسيطة، يمكن أن تظهر العقدة بوضوح. في العنصرية ضد الفلسطينيين، يمكن أن تسأل سؤالا بسيطا عن حقوقه إنسانا عاديا، بعيدا عن أكذوبة التوطين، في العمل والتنقل والتعليم والسكن. هذا السؤال في لبنان ومصر يُظهر كم أن أنظمة البلدين تستحق محاكمة عادلة على الجرائم التي ترتكب يوميا بحق بشر جريرتهم أنهم فلسطينيون. الفلسطيني الوحيد الذي يستطيع كسر كل الحواجز، بما فيها “التوطين السياسي”، هو المليونير الذي يعلم ثمن كل مسؤول، أمني أم سياسي.
كل الناس تزاود في عموميات الصراع العربي-الإسرائيلي، فلا يعقل أن تسأل نفسك: هل أنا مع تحرير القدس أم مع احتلالها؟ لكن عليك أن تسأل نفسك: هل أنا مع إذلال الفلسطينيين يوميا على معبر رفح، بمن فيهم مرضى وطلبة يدرسون في الخارج؟ ولا يعقل أن تسأل نفسك هل أنامع مجزرة صبرا وشاتيلا أم ضدها؟ ولكن اسأل نفسك: هل يحق لأهل المخيم التمتع بحياة آدمية، تتوافر فيها المياه والكهرباء والصرف الصحي؟ وهل البشر المتواجدون في المخيمات من ستين عاما يتكاثرون بشكل طبيعي، ما يتطلب توسعة بيوتهم، وأن لهم الحق في أن يكونوا أطباء ومهندسين وغير ذلك من مهن؟
طائفيا، الوضع أعقد. لا يكفي أن تقول إن جاري مسيحي، وإنني اشتريت سيارة من شيعي، وصديق ابني درزي؛ فمنطقتنا كانت منطقة تعايش (لا مواطنة) عندما كانت أوروبا تتقاتل طائفيا. وعندما انتهت بدأنا حروبنا الطائفية، ولم تستقر دولة المواطنة إلى اليوم. فليس الطائفي من يهاجم دستور إيران الطائفي، وهو ما ينطبق على وكيل الولي الفقيه حزب الله؛ الطائفي هو من يسكت على ما ارتكب من جرائم بحق الشيعة على يد نظام البعث في العراق، تماما كمن يسكت على الجرائم التي تُرتكب بحق السُّنة اليوم. ومن يقف مع حقوق الشعب السوري وضد حقوق الشعب البحريني أو العكس، هو نموذج للطائفية.
تكون طائفيا عندما تتجاهل التهجير الناعم لمليون مسيحي في سورية في ظل نظام البعث، و”تدب الصوت” (محقا) ضد إحراق “الدولة الإسلامية في العراق والشام” لكنائس في الرقة. وتكون كذلك عندما تقف مع نوري المالكي لأنه مع بشار الأسد، وتتجاهل تصفية الوجود المسيحي في العراق في عهده الميمون.
لقد فشلت في القرن الماضي محاولات بناء الدولة الوطنية القائمة على المواطنة. وهذا الفشل تتحمله، بالدرجة الأولى، الأنظمة التي حكمت بعد الاستقلال. وهو ما جعل المنطقة موبوءة بالعنصرية والطائفية، لا ينجو منهما إلا من أجرى الاختبارات اللازمة، واستخدم المضادات الحيوية، أن وجد التهابا طائفيا لديه.
اختبار سريع: هل تتألم عندما تهدد كنائس معلولا التاريخية بالقصف؟ حسنا. هل تألمت عندما دُمرت المآذن التاريخية في مساجد السنة في أكثر من مدينة سورية؟ هل تضامنت مع المدونة الطفلة طل الملوحي المختطفة رسميا من أربع سنوات، كما تتضامن مع الراهبات اللواتي احتجزن لساعات؟ يقول الله تعالى: “بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره”. أنت تعرف نفسك إن كنت طائفيا أم لا.
هل تريد التعليق؟