مقالات

استحالة مقايضة الاقتصاد بالسياسة ..من سجالات منتدى البحر الميت

    كان لافتا لمن تابع كلمة السيدة الأميركية الأولى لورا بوش في المنتدى الاقتصادي أن ذبابة أربكتها وأربكت كاميرا التلفزيون, وعلى أهمية ما قالته سياسيا واقتصاديا, إلا أنه لا يمكن التقليل من “التشويش” الذي سببته الذباية التي حطت بغير موعد على وجه الضيفة على رغم كل الجهود التي بذلت داخل قصر المؤتمرات وخارجه إلا أن الذبابة تسللت, ولا يمكن هنا تحميل المعارضة التي حرمت من التظاهر مسؤولية تسلل كهذا.

 قالها الشاعر العربي قديما

لا تحقرن صغيرا في مخاصمتي       إن البعوضة تدمي مقلة الأسد

     وفي خضم الحرب الباردة كان العقيد معمر القذافي يقول ” أنا البعوضة التي تدمي مقلة أميركا “, لكن في منتدى دافوس كان لنجل العقيد حديث آخر. فقوانين الحرب الباردة تغيرت, ولم يعد ثمة اتحاد سوفيتي, ولم يجد العقيد بدا من تفكيك برامج الأسلحة غير التقليدية وتعويض الضحايا من أيام الحرب الباردة بأرقام فلكية, سيف الإسلام القذافي استخدم ذلك كله وأكثر. وبدلا من التحالف مع منظمات التحرر العالمي التي كبدت الاقتصاد الليبي مليارات لا بد من التحالف مع الشركات العالمية التي تكسب ليبيا مليارات.

     نجل العقيد كان يقدم إغراءات علنية للشركات الأميركية سواء شركات النفط والغاز أم شركة بوينج, ولا تبدي الشركات العملاقة تمنعا تجاه الغواية الليبية.

    ليست ليبيا وحدها, المنتدى كله كان في سجال ملخصه أن ذهب المعز أقوى من سيفه, فالصراع العربي الإسرائيلي يحل بالمشاريع الاقتصادية واستقرار العراق وو… لكن العقد السياسية تظل مستحكمة. فليبيا لا تستطيع أن تقايض الانفتاح الاقتصادي على أميركا والغرب بالانفتاح الساسي داخليا.

     في الجلسة المغلقة سألت سيف الإسلام هل ستقوم ليبيا بانفتاح سياسي على الداخل بموازاة الانفتاح الاقتصادي على الخارج, خصوصا أن الثورة رفعت شعار “من تحزب خان ..لجان في كل مكان” أجاب سيف الإسلام إن النظام الجماهيري يرفض الحزبية ويؤمن بالديموقراطية المباشرة. والمجتمع الليبي قبلي ولم يصل للحزبية, في خارج الجلسة أعلن على الكاميرا عن عفو قريب عن الإخوان المسلمين الذين حكموا بالإعدام, مؤكدا أنهم جماعة غير إرهابية.

    المقايضة الليبية تكررت مع الفلسطينين بشكل آخر, البنك الدولي والإسرائيليون قالوا إن تسهيل عبور البضائع على نقاط الإغلاق وتحسين مستوى معيشة الفلسطينيين والعمالة و…يحل الصراع, محمد دحلان كان موفقا في رده أن المشكلة بهذه النقاط التي تجسد الاحتلال، والحل بإنهاء الاحتلال. وعلى العكس من ذلك كان حديث ” الشيوخ ” الأميركيين عن سورية وإيران.. الحل بفرض العقوبات الاقتصادية وحصار اقتصادي في زمن العولمة!.

    مقايضة أخرى عبرت عنها المساجلة التي تمت بين لين تشيني وعمرو موسى وهي لم تقتصر على أمين عام جامعة الدول العربية, بل إن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ريما خلف تكلمت بلغة لا تقل وضوحا عن لغة عمرو موسى. وخلاصتها أنك لا تستطيع أن تقايض الإصلاح بالصراع العربي الإسرائيلي. لا يمكن أن تقنع الشعوب العربية والإسلامية بجدية أميركا بالإصلاح طالما أنها تدعم احتلالا ينتهك كل حقوق الإنسان.

     هذه أجواء المنتدى , ثمة طرف ” غالب ” يمتلك قوة اقتصادية وسياسية ضاربة وثمة طرف ” مغلوب ” يمتلك إمكانات واقتصادا ناميا. لا يمكن الحديث عن المنتدى الاقتصادي العالمي برومانسية, وكأنه رحلة حج تتجرد فيها الروح من إسار المطامع والشهوات, وفي الوقت ذاته لا يمكن اعتباره “الجمرات ” التي تمثل إبليس فترمى بالحصى.

     أما وقد انتهى فلم تخسف بنا الأرض ولم تمطر علينا السماء ذهبا وفضة. وعليه لن تتحقق مخاوف أغدق في تعدادها  “المنتدى الاجتماعي” ولن تتحقق في الوقت ذاته الوعود التي أسرف بها “المنتدى الاقتصادي “.

    واقعيا المنتدى مثل كل جديد في الدنيا تترافق فيه المكاسب والمخاطر معا, والمجتمعات الحية هي التي تغتنم الفرص وتتجنب المخاطر, والمتوازنون هم الذين يقفزون على ظهر الحصان والمترددون يتعثرون خلفه كما أن المتهورون أمامه .. كلام وعظي كبير ؟ قد يكون, لكن بعد حضور المنتدى للمرة الثالثة يمكن الخروج بهكذا وعظ.

    رجال الأعمال يؤكدون لك أن أحدا لا يعقد صفقات في المنتدى, ولكن قد يستغل لإشهار الصفقات الكبيرة, ورجال السياسة يؤكدون الكلام ذاته. لكنه ” منتدى ” وليس قمة لاتخاذ القرارات المصيرية. وفي هذا السياق يمكن التأثر والتأثير.

    عندما يعلن عن ” سرايا الأردن ” في المنتدى علينا أن نتذكر أن العقبة سيكون فيها 12 ألف غرفة فندقية بعد ست سنوات وأكثر من هذا العدد متوافر الآن في إيلات وشرم الشيخ ! ومن المفيد أن تستغل مناسبات كهذه للترويج  للأردن سياحة واستثمارا.

    والسؤال ما الذي يمنع رجال المال والأعمال والسياسة العرب من إطلاق ” منتدى اقتصادي عربي ” خصوصا أن العولمة والشراكات تتيح وتحبذ التجمعات الإقليمية, وبعيدا عن الإنشاء واللغة المنقرضة يمكن القول أن المصارف العربية على مستوى عربي أو ثنائي كانت من المشاريع العربية النادرة التي كتب لها النجاح. وبإمكان رجال الأعمال أن يلتقوا ويربحوا  في الوقت ذاته, هنا يجدر التذكير بتجربة جمعية رجال الأعمال المستقلين في تركيا التي تمكنت من مأسسة تجمع رجال الأعمال المسلمين. وهذا لا يعني المبالغة والحديث عن سوق عربية أو إسلامية مشتركة بل لا بد من بدايات تقوي الجسم المفكك الضعيف وتؤهله للتعامل مع العالم معولما أم غير معولم.

هل تريد التعليق؟