منذ بدأ مركز الدراسات الاستراتيجية رصد تقييم المواطنين (العينة الوطنية) والنخبة (قادة الرأي) للحكومات، اتضح أن ثمة انحدارا في منحنى الثقة، يمكن اعتباره انهيارا في نظرة الناس إلى السلطة التنفيذية؛ فكل حكومة -الرئيس والفريق الوزاري- تحصل على ثقة أقل من سابقتها! وفي استطلاع الديمقراطية السنوي، يمكن رصد هذا الانهيار في النظرة إلى مجلس النواب أيضا.
المؤشر خطير ويتطلب إعادة النظر بشكل جدي في آلية تشكيل الحكومات، وآلية انتخاب مجلس النواب (قانون الانتخاب). وفي استطلاع “المائتي اليوم”، لم تتحقق نبوءة المتشائمين، إذ لم يتواصل الانهيار كما الخط البياني المعتاد، بل تمكنت الحكومة من الاستقرار في المنحدر الذي وصلت إليه مع بعض الارتفاع قياسا إلى المستوى الذي بلغته بعد مائة يوم من تشكيلها.
الارتفاع بمعدل خمس عشرة نقطة جاء عبر أسوأ قرارت يمكن أن تتخذها حكومة، وهي رفع الأسعار بمعدلات غير مسبوقة، الأمر الذي أثر على تقييم الحكومة في المحصلة النهائية. فعندما سُئل المستجيبون في العينة الوطنية عن السبب الرئيس لاعتقادهم بقدرة الحكومة على تحمل مسؤوليات المرحلة من عدمه؟ جاء السبب الأهم لاعتقادهم بأن الحكومة “لم تكن قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة”، وبنسبة بلغت 53% ضمن هؤلاء، متمثلا في”ارتفاع الاسعار وعدم تحسن الوضع الاقتصادي بشكل ملموس للمواطن”.
ويظهر الاستطلاع الفجوة بين رأي العينة الوطنية وبين رأي قادة الرأي الذين يمثلون النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالرأي العام، وخلافا للانطباع السائد، يبدو أكثر تفاؤلا، ولا يتوقع المعجزات من الحكومات، وهو إذ يذكر للحكومة إنجازات في قضايا سياسية، مثل دعم الفلسطينيين والعراقيين خارجيا، وقانون الأحزاب داخليا، إلا أنه لا يبدو متفائلا في حل قضايا جوهرية مثل الفقر والبطالة. في المقابل، يبدو الرأي العام متفائلا على صعيد تشجيع الاستثمار وجلب الاستثمارات الخارجية.
على العكس من ذلك جاءت توقعات عينة قادة الرأي التي بدت متشائمة. إذ يخلص الاستطلاع إلى أن تقييم قادة الرأي لأداء الحكومة بعد مرور مائتي يوم على تشكيلها “متشائم بشكل عام”. إذ أفاد هؤلاء بتراجع أداء الحكومة عن التوقعات بنجاحها في 13 بنداً من البنود التي وردت في كتاب التكليف، وبيان الحكومة لمجلس النواب.
وتعتقد أغلبية قادة الرأي أن الحكومة لم تكن ناجحة في الحد من مشكلتي الفقر والبطالة، ولم تحسن مستوى معيشة المواطن، ولم تحارب الفساد المالي والاداري، ولم تنجز قانون أحزاب ديمقراطيا، ولم تنجح في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، ولم تنجز قانون انتخاب ديمقراطيا، ولم تحرز تقدماً في إحداث التنمية السياسية، ولم تنجح في ربط مخرجات التعليم بسوق العمل، ولم تنجح في تطوير القطاع العام، ولم تنجح في تعزيز الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني، ولم تنجح في تعزيز الديمقراطية، ولم تنجح كذلك في تطوير الجهاز القضائي.
وكما يشير الاستطلاع: “جاء تقييم العينة الوطنية لأداء حكومة الدكتور بدران بعد مرور 200 يوم على تشكيلها أفضل من تقييم عينة قادة الرأي. ففي حين افاد مستجيبو العينة الوطنية أن الحكومة كانت ناحجة في معالجة 14 قضية من أصل 19 قضية وردت في كتاب التكليف وبيان الثقة الذي تقدمت به الحكومة لمجلس النواب، أفاد مستجيبو عينة قادة الرأي بأن الحكومة كانت ناجحة فقط في 6 قضايا ولم تنجح في 13 قضية أخرى”.
مع ذلك كله، لم تستطع الحكومة الارتفاع إلى مستوى أدنى حكومة سبقتها، وهي لا تزال مستقرة مثل صحة مريض ينازع سكرات الموت، بين تحسن طفيف ودخول في غيبوبة!
هل تريد التعليق؟