لدينا مشكلة كبيرة مع أميركا، سواء لجهة تحالفها مع دولة الاحتلال أو سياساتها الخارجية القائمة على الهيمنة. لكن ذلك لا يشطب أميركا عن خريطة العالم، أو يحولها إلى شيطان أكبر. فهي تستطيع الاستغناء عنا وعن العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا لكننا لا نستطيع الاستغناء عنها مع الأسف.
لذا من الطبيعي أن تثير الأخبار عن وجود عسكريين أميركيين في الأردن الاعتراض. وقد سارعت المعارضة وخصوصا الإخوان المسلمين إلى رفض هذا الوجود. وفي المخيال الشعبي لا يمكن تخيل صورة حسنة للعسكري الأميركي سواء في العراق أم أفغانستان أم غيرهما.
في الأخبار التي يسربها الإعلام الأميركي فإن العسكريين معنيون بالتعامل مع السلاح الكيماوي السوري. ولو كنت مكان الدولة لاستعنت بالخبرات الدولية والعربية والمحلية للتعامل مع هذا الملف الخطير، خصوصا أن تقارير كثيرة تؤكد أن النظام السوري الذي قتل مئة ألف من شعبه على الأقل استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه.
من واجب الدولة والمجتمع التعامل مع هذا الخطر المحتمل، على نقابة المهندسين ونقابة الأطباء أن تفيدانا كيف يمكن أن نتعامل مع هجوم كيماوي. وعلى الدولة أن تضع المجتمع بصورة التهديدات، وأن ترشدهم كيفية التعامل معها، وأن تبذل كل جهد ممكن مع كل دول العالم، باستثناء إسرائيل، لإحباط هذا التهديد.
في الأردن ظل الجيش مؤسسة تحظى بالاحترام والإجماع، وقد ظل الجيش يعتمد بشكل شبه كامل على أميركا في التسليح والتدريب؛ من بنادق أم 16 إلى طائرات الأف 16، والخلاف الوحيد بين الأردن والولايات المتحدة استراتيجيا كان عام 1990، حينها كان الأردن يرفض التدخل الدولي ويراهن على حل عربي، وبين تعنت صدام حسين وبوش الأب ضاع العراق وفشلت محاولات الملك حسين في تجنيب المنطقة أسوأ حروبها. والملك نفسه هو من حاول أيضا استثمار علاقاته بأميركا لتجنب حرب 67 ولكنه فشل أيضا بين تعنت إسرائيل وعبدالناصر.
أن تكون على علاقة مع الولايات المتحدة الأميركية لا يعني أن تكون عميلا لها. للتذكير في حرب 73 وقف حلفاء أميركا الملك حسين والملك فيصل ضد إسرائيل. وفيصل هو من قطع النفط عن الغرب وشارك الجيش العربي في معارك الجولان.
أن تشخص واقع الدولة الأردنية لا يعني أنك تتطابق معه، فالكاتب ليس وزير خارجية ولا رئيس هيئة أركان، فعندما أؤيد قتال الأفغان والعراقيين لقوة الاحتلال الأميركي فهذا لا يمنعني حتى من الحصول على تأشيرة للولايات المتحدة، ولكن لو اتخذت موقفا كهذا وأنا وزير خارجية لكان إعلان حرب على أقوى قوة عرفها تاريخ البشر. لست بوارد المزاودة على أحد. ولا إجراء عمليات تجميل للولايات المتحدة، ولكنها دعوة لإعمال الفكر كيف يمكن أن تكون علاقتنا معها دولا وأفرادا وجماعات؟
لا يستطيع أي فرد الاستغناء عن أميركا، وعندما ناقشت أحد الدعاة لاستخدام الإنترنت والفيس بوك والآي فون، قال إنه يستخدم سامسونج ناسيا أن برامج سامسونج هي من سلالة غوغل الأميركية، وأن كوريا الجنوبية ما هي إلا محمية أميركية. سورية التي كانت ترفع شعارات معاداة الإمبريالية شاركت أميركا في حرب الباطن، والقذافي الذي قام بأعمال إرهابية ضدها لم يجد بدا في النهاية من الاستسلام ودفع تعويضات وفتح الأبواب لشركاتها.
نحتاج لكثير من الشفافية في النقاش حول العلاقة مع أميركا بشكل يخدم قضايانا، سواء في الصراع العربي الإسرائيلي أم التنمية والتقدم. ومن يريد محاربة أميركا فدونه تنظيم القاعدة الذي يقاتل أميركا وتقاتله من عقدين عندما سحل جنودها في الصومال. أما من يريد بناء دولة وعلاقات طبيعية فهذه وصفة للدمار، ومن لا يصدق فليذهب ويعش في قندهار.
هل تريد التعليق؟