لا يوجد حل سحري لمشاكل الأردن الاقتصادية. لكن وفق إدمان بعض الأردنيين الرديء على التنقيب عن الذهب والعيش على وهم جراره التركية والرومانية التي يُسمع عنها ولا يراها أحد، فإن حلولا سحرية يروج لها، ليس أولها انضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي. قبل ذلك، عاش جيلنا وهم معاهدة السلام وما ستدره على الأردن، وبعدها وهم الحرب على الإرهاب. وفي الواقع، فإنه لا يوجد حل سحري، بل توجد حلول كثيرة صعبة ومعقدة، قد تتراكم وتحقق نهوضا اقتصاديا في المستقبل.
النظرة الواقعية للعلاقة مع دول الخليح تبعد شبح الإحباط. فهذه الدول نفسها، على ثرائها، لديها مشاكل اقتصادية جوهرية. فإضافة إلى ما خسرته في الأزمة الاقتصادية العالمية، لديها مشاكل تتعلق بالبطالة والتعليم وتأمين متطلبات الرفاه لشعوبها. فما يتوقعه مواطن الدولة الغنية غير ما يتوقعه مواطن الدولة الفقيرة. ودول الخليج تتفاوت في ثرائها وأوضاعها الاجتماعية. لكن مع ذلك، فلا غنى للأردن عن الاستفادة من الفرص التي تفتحها أسواق الخليج. وهي أسواق قادرة على امتصاص كثير من البطالة في سوق العمل الأردنية، وكثير من المنتجات الزراعية وغيرها. وفي إطار التبادلية، يمكن الحديث عن سياحة خليجية في الترفيه والتعليم والصحة، وعن التعاون الأمني والعسكري.
باستثناء فترة حرب الخليج الثانية وتداعياتها التي استمرت سنوات، فإن علاقة الأردن بدول الخليج ظلت تكاملية تاريخيا. وقد قدمت تلك الدول مساعدات نقدية هائلة للخزينة الأردنية، وظلت سوقا للعمالة الأردنية والمنتجات. في المقابل، أسهمت الخبرات الأردنية في التعليم والطب والجيش والأمن، في بناء مؤسسات تلك الدول. اليوم، يمكن الخوض في التفاصيل، وتطوير وتفعيل هذا التكامل مع كل بلد خليجي على حدة.
عندما ظهرت فكرة انضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي، استُفز العنصريون في الطرفين، وهم الأقلية بالمناسبة. كاتب أردني ظهر على شاشة إحدى الفضائيات يستعلي على دول الخليج، فيما شهدنا في المقابل على فضاء الإنترنت لقطات على “يوتيوب” تفوح منها العنصرية الخليجية. هذا أيضا لا يدعو إلى الإحباط؛ فالعنصرية داء لا يخلو منه مجتمع، ولنسأل أنفسنا كيف ننظر إلى العامل المصري أو الفلبيني أو السيرلانكي، وهؤلاء فقراء، وكيف ننظر إلى الثري الخليجي والليبي والعراقي؟
لا يرتبط داء العنصرية بالثراء، بقدر ما يرتبط بالمستوى الثقافي. فالدول الاسكندنافية من أقل الدول عنصرية وأكثرها ثراء، وكذلك الغرب عموما. ودول الخليج إجمالا تناقش على مستوى وطني أزمة الهوية، خصوصا في ظل قلة عدد السكان والتدفق الهائل للعمالة الأجنبية، وفي إمارة مثل دبي، يشكل الأجانب أكثر من 90 % من السكان. ولا حل لأزمة الهوية خليجيا إلا بتعميق الهوية العربية، ومن خلال صيغ تفضيلية للعمالة العربية، ومنها الأردنية. يمكن هنا السؤال في التفاصيل: هل فعلا للعمالة الأردنية صيغة تفضيلية؟ وهل بُذل جهد كاف من أجل ذلك؟ وهل هذا في جميع دول الخليج أم بعضها؟
بعيدا عن القومية الرومانسية التي دمرت البلدان التي رفعت شعاراتها، كالعراق وسورية، فإن الهوية العربية بمعناها البسيط والعملي تستوعب الأردن ودول الخليج، بقدر ما تحقق مصالحهما. وذلك كله لا يقلل من حجم العقبات السياسية والاقتصادية. فالربيع العربي تحول تاريخي مؤلم وشاق، أوجد حساسيات ونفورا واستقطابا داخل البلد الواحد، فكيف على صعيد علاقات الدول الخارجية؟ في العلاقة مع الخليج، شكل الربيع العربي حافزا من باب تحالف الملكيات، مع ملاحظة التباين الكبير في موقف كل دولة خليجية على حدة في التعامل مع الربيع العربي، داخليا وخارجيا.
هل تريد التعليق؟