لم تكسب الصهيونية معركتها مع الأمة العربية بسبب التفوق العسكري والاقتصادي، بل بسبب التفوق السياسي لدولة الاحتلال. خاضت تلك الدولة حرب تموز 2006 من أجل جثث قتلاها، وخاضت حرب غزة من أجل جندي. وإلى اليوم، القضية الأولى في زيارة المسؤولين الإسرائيليين للرئيس الأميركي المنتخب الإفراج عن الجاسوس جونثان بولارد. فقيمة الإنسان الصهيوني لديهم أعلى من أي خسائر كبرى قد تتعرض لها الدولة.
تدمي المقارنة القلب مع أي بلد عربي في صراعه مع الإسرائيليين. وبعد عقود من الصراع، لا يعرف مصير مئات المفقودين من الجيوش العربية، ولا يعرف ذووهم قبورهم إلى اليوم. شخصيا، لا أعرف قبر خال والدي النقيب عبداللطيف أبو هلالة كريشان الذي كان يقود مدرعة في حرب 67. والدولة الوحيدة في العالم التي تحتفي بمقابر أرقام هي الدولة العبرية. هذه قضايا رأي عام لا بد من خوضها على الصعد كافة، تعرية للصهاينة الذين يقدمون أنفسهم إلى الغرب باعتبارهم جزيرة معزولة في الشرق الأوسط تحترم حقوق الإنسان.
يفسر هذا السياق لماذا تهمل قضية الأسرى، فلسطينيا وعربيا. في الأردن، وقعنا معاهدة سلام دون أن يتذكر المفاوضون وقتها أن ثمة طفلا أسيرا اسمه سلطان العجلوني، وأفرج عن الشيخ أحمد ياسين العام 1997 ولم يفرج عنه في صفقة محاولة اغتيال خالد مشعل. الأسرى يضربون عن الطعام، وعميدهم عبدالله البرغوثي أردني، ولا تحتل القضية الحيز اللائق في الفضاء العام.
سحب الرقم الوطني من عبدالله البرغوثي عقب اعتقاله. ولا أدري من العبقري الذي قرر ذلك. فحتى بالمنطق العنصري فإن وظيفة الأردني من أصل فلسطيني هي العمل على تحرير فلسطين لا المنافسة في الحقوق السياسية الأردنية. وهذا ما قام به عبدالله حرفيا. لم يترشح لنقابة المهندسين الأردنيين، ولم يدخل في مشاريع اقتصادية، سخّر إمكاناته في قيادة كتائب القسام، وتحمّل مسؤولية قتل عشرات الإسرائيليين في انتفاضة الأقصى.
هنا أتذكر الأخ والصديق عباس السيد الذي يأتي بعده بعدد المؤبدات. عندما وصل عباس إلى جامعة اليرموك كان مواطنا أردنيا، وعندما انفصلت جامعة العلوم والتكنولوجيا عن اليرموك صار خريجها لا خريج اليرموك، تماما كما انطبقت عليه تعليمات فك الارتباط فأصبح فلسطينيا بعد أن كان أردنيا مثلنا.
ليس لأنهم على علاقة بالأردن، بل لأنهم قاتلوا من أجل قضيتنا المركزية. مدخل مناسب للضغط على الدبلوماسية الأردنية للتركيز على الأسرى الأردنيين من أصل فلسطيني، وهي قادرة على تحريك قضيتهم. لكن، لنفترض أنه لا يوجد فيهم من يحمل رقما وطنيا، هل نتخلى عنهم؟
كان بإمكان الشباب أن ينشغلوا بـ”البزنس” في فلسطين، أو أن ينضموا إلى كتائب الـ”أن. جي. أوز” التي ورثت فصائل المقاومة، أو أن ينخرطوا في سلك السلطة، أو أن يهاجروا إلى الأردن أو دبي أو أميركا. كانت لديهم خيارات، واختاروا أصعبها. لم يفكروا بأبنائهم ولا زوجاتهم ولا أمهاتهم، فكروا بما هو أهم. تشعر الشعوب بالفخر مع كل عملية للمقاومة، مقابل ذلك عليها أن تقف مع من نفذ وخطط وقاد.
قضية الأسرى قضية أردنية وفلسطينية، لكنها قبل ذلك يجب أن تكون قضية الأمة، التي تؤمن أن قضية فلسطين هي قضيتها المركزية.
هل تريد التعليق؟