يسهل إطلاق الأحكام بمنع استغلال الأطفال في العمل السياسي. لكن هذا الاستسهال مجحف بحق السياسة، كما بحق الأطفال.
من المفهوم أن ننأى بالأطفال عن مواطن الخطر. وقد ارتقى الفكر البشري إلى مبادئ وُثقت في اتفاقيات دولية، تمنع عمالة الأطفال واستغلالهم في الحروب. في المقابل، ثمة مساحة مشروعة ومطلوبة تسمح للأطفال باكتساب خبرات عملية، وتدريب ومشاركة، في أعمال سياسية ونضالية.
بعيدا عن المنطقة العربية الساخنة، والتي تشهد امتهانا مروعا للأطفال، يمكن الاستفادة من تجارب الغرب الذي تطورت فيه التشريعات الحامية للأطفال، على صعيد العمل السياسي لهم، من خلال مجالس الطلبة في المدارس، والنشاطات التطوعية ذات الطابع السياسي. ولعل المثال الصارخ لذلك الطالبة التي قُتلت مع النائب الديمقراطية غابرييل غيفورد، عن مدينة توسون في ولاية أريزونا الأميركية.
إذ كانت الطالبة في التاسعة من عمرها، وطلبت من أهلها اصطحابها للقاء النائب لأنها “مهتمة بالشأن السياسي”، وكانت قد انتخبت في مدرستها رئيسة لمجلس الطلبة لنشاطها اللافت في العمل المدني. لكن حصدها رصاص الإرهابي اليميني غاريد لوفنر.
لم تخرج بعدها أصوات في الولايات المتحدة تلوم مشاركة الطفلة في العمل السياسي، بل تلوم ثقافة اليمين التحريضية بعد انتخاب باراك أوباما.
هذا في مجتمعات ديمقراطية عريقة. أما في العالم العربي، فإن الأطفال هرموا بفعل أنظمة استبدادية استباحت طفولتهم، كما حولهم الاحتلال إلى مناضلين ومقاتلين رغما عنهم.
فمحمد الدرة، ومن سبقه ولحقه من أطفال فلسطين، لم يكونوا سعداء بمقارعة جيش الاحتلال. لكنهم اضطروا لذلك في سعيهم إلى الحياة الطبيعية؛ الحرة والكريمة. وتكرر ذلك مع أطفال العراق في مواجهة جيش الاحتلال الأميركي. أما في سورية، فالأطفال تحولوا إلى جنرالات بفعل نظام قاس، تعامل معهم وكأنهم جيش عدو!
وفي ظل تقليد الانقلابيين في مصر لسياسة الترويع التي اتبعها النظام السوري، زُج الأطفال في العمل السياسي. كانت هالة أبو شعيشع تظن أنها بذهابها إلى ميدان “رابعة العدوية” تقوم بما تقوم بها الطفلة الأميركية التي التقت بالنائب الأميركية، وكانت تعتقد أن التظاهر السلمي في المنصورة جزء من التعبير عن شخصيتها القيادية الواعدة. لكنها لقيت مصير الطالبة الأميركية، مع فارق أن المجرم الأميركي لقي إدانة المجتمع والمحكمة، فيما سُجن والد هالة وظل البلطجي القاتل على رأس عمله.
في “الربيع العربي”، انخرط الأطفال في السياسة أكثر مما يجب. وفي كل بيت شوهدت النهاية المروعة للطفل حمزة الخطيب في سورية، وهالة أبو شعيشع في مصر. وصار من واجبات الآباء تقديم الوقاية والعلاج النفسي لأطفالهم في ظل التعرض لمشاهد وأخبار مروعة. وأحسب أن التوعية السياسة للأطفال جزء من الوقاية والعلاج.
على موقع “يوتيوب”، فإن من بين أكثر مقاطع الفيديو مشاهدة ذاك الخاص بمدرسة في الاسكندرية، حيث يحضر مدير الأمن محاطا بالأمن والشرطة والجيش. وعلى وقع السلام الوطني المصري الجديد، تقف طفلة وترفع شارة “رابعة”. ترتبك المدرسة، ويتحرك الجند والمدرسات ويحيطون بالطالبة وهي تتصرف بثقة وسكينة في ظل اضطرابهم وهياجهم. هذه الطالبة تقدم درسا لأطفال العالم في الشجاعة والوعي، وما قامت به هو رد فعل تلقائي يعبر عن طفولة حقيقية.
هل تريد التعليق؟