في ظل الثورة السورية، أشاع شبيحة النظام السوري جوا معاديا لدول الخليج باعتبارها متآمرة على الشعب السوري. وحتى لا نتورط بمنطق الشبيحة العنصري تجاه الخليج، نميز بين الأنظمة والشعوب. فالأنظمة لها سوءاتها التي لا تتحملها الشعوب، ويظل المواطن مبرَّأ من عيوب أنظمته؛ وفي ظل مجتمعات غير ديمقراطية، لا تتحمل الشعوب وزر الأنظمة.
من موقع المعارض للأنظمة الخليجية جميعا؛ لسياساتها الداخلية والخارجية، يمكن القول إنها تظل أفضل من النظام السوري في كل شيء. فالكل يشترك في غياب الديمقراطية، لكن لا يمكن المقارنة بين أنظمة أبوية مسالمة متسامحة، وبين نظام تسلطي دموي حاقد. وفي العنصرية، يتحول الخليج إلى عنصر صلب متماسك موحد في المشاعر والمواقف. والواقع أن دول الخليج تختلف كثيرا عن بعضها، وقد اتخذت مواقف مختلفة في قضايا كبرى، كما توحدت في قضايا أخرى.
يحدثونك عن فساد مسؤولين في الخليج وتبذيرهم، وهذا صحيح. لكن بالمقارنة مع سورية، بمراعاة حجم الثروة وعدد السكان، وباستخدام المعايير الدولية في النزاهة والشفافية، يظل الخليج أفضل. وفي كل الخليج لا يوجد شبيه لرامي مخلوف الذي يحتكر وحده شركتي الاتصالات في سورية.
في العروبة، وقف الخليج مع العراق في حربه مع إيران. صحيح أنها حرب عبثية حركها مشروعان أيديولوجيان، لكن في الاصطفاف وقفت سورية البعث ضد عراق البعث، ووقف الخليح مع الأخير. وبعد انتهاء الحرب واحتلال العراق للكويت، تحالف نظام الأسد مع الأميركيين ضد العراق، وحاربه وشارك في حصاره.
في القضية الفلسطينية، ظل موقف الخليج تاريخيا أفضل. فهو ليس من “دول الطوق”، ولا يملك كثافة سكانية كسورية، لكنه لم يتردد في القيام بواجبه. لنتذكر أن حركة التحرر الوطني الفلسطيني “فتح” تشكلت في الكويت، وفي الوقت الذي اعتقل فيه أبو عمار في سورية، جمع أبو مازن من قطر الرشوة اللازمة للإفراج عنه. وقد ألزمت السعودية العاملين الفلسطينيين فيها بدفع التبرعات من رواتبهم لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي حرب تشرين (العام 1973)، قطع الملك الشهيد فيصل النفط عن الغرب. وبعد اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها مصر، كان مال الخليج هو الذي يدعم دول “الصمود والتصدي”.
وفي النضال الفلسطيني الحديث في الانتفاضة، تشكلت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بين الكويت وجدة، وظل المال الخليجي داعما أساسيا لها، ولصمود الشعب الفلسطيني. وعندما لم تجد “حماس” مكانا لها وسط المجازر في سورية، ذهبت إلى قطر. طبعا، لا يمكن المقارنة بين وجودها في بلد مركزي يطوق فلسطين كسورية، ووجودها بعيدا في الخليج.
يوجد كثير من الأخطاء والعيوب في الأنظمة الخليجية، لكنها بالمجمل، وبالمعايير النسبية، لا تقارن بالنظام السوري؛ لا داخليا ولا خارجيا. طبعا توجد فروق نسبية بين دولة خليجية وأخرى، وبين زمان وآخر؛ فنحن لا نعيش لحظة قطع النفط العام 1973، لكن وفي لحظة الثورة السورية، علينا أن نشكر بملء الفم دول الخليج على موقفها الداعم لثورة الشعب السوري. هذا على مستوى الأنظمة، أما شعوب الخليج، فهي أكثر ثورية من الشبيحة أصحاب المواقف المدفوعة مسبقا.
هل تريد التعليق؟