على رغم شعارات حزب البعث السوري القومية، ظلت “الطائفة” أقوى من الحزب على مستوى التأثير والحضور والتكوين. دخلت سورية لبنان أول مرة بموافقة إسرائيلية أميركية بحجة حماية المسيحيين، ولكنها خرجت بعد عقود تمكنت فيها من إعادة ترتيب الوضع الطائفي لصالح الطائفة الشيعية، على حساب المسيحيين والسنة.
الوجه الطائفي للنظام البعثي كان أوضح في الموقف من الحرب العراقية الإيرانية. فمع أن الخميني كان يجاهر بنية “تصدير الثورة الإسلامية”، وكان يجد امتدادا شعبيا قويا في حزب الدعوة العراقي، لم يتردد حافظ الأسد بالوقوف إلى جانب الخميني ضد رفيقه في الحزب صدام حسين. ولاحقا دخل مع الولايات المتحدة في تحالف حفر الباطن ضد نظام صدام الذي كان يحظى بشعبية عارمة في الشارع العربي بعد قصفه إسرائيل بالصواريخ. وبمجيء بشار قوي نفوذ الطائفة في ظل ضمور أيديولوجيا حزب البعث وغياب الخبرة والكاريزما، والحضور الكبير لحزب الله في المقاومة والشارع.
اندرج بشار في البرنامج الإيراني في العراق؛ دعم المقاومة السنية لمواجهة أميركا عسكريا في العراق، وحاصرها سياسيا من خلال الدعم المطلق للمالكي. وفي لبنان، مارس اللعبة الطائفية بشكل فظ تجلى في محاربة رفيق الحريري وصولا إلى اغتياله. تلك السياسة جلبت له جفاء عربيا خصوصا من السعودية ومصر.
قبيل الربيع العربي كان بشار الأسد معزولا، وتجلت عزلته في قمة دمشق التي شهدت أقل تمثيل رسمي عربي، واقتصرت علاقاته الجيدة، إضافة إلى إيران ولبنان، على قطر وتركيا. وجاءت الثورة السورية لتعمق تلك العزلة، وخسر حليفيه الوحيدين خارج “الطائفة”. ومن المرات النادرة التي يجمع فيها العرب على شيء إجماعهم على عزله ومعاقبته.
خلافا لما يروجه أنصار النظام الدموي، لقد نجحت تركيا والدول العربية في منح بشار وقتا إضافيا يمكنه من تنفيذ وعود الإصلاح والخروج من مستنقع الدم. والمجتمع الدولي ليس الصهيونية العالمية، العالم يتحرك في حال حصول أي مجزرة ولو في الكونغو. وفي قلب أوروبا عندما ارتكب الصرب مجازرهم لم تتحرك أوروبا وحدها بل “الناتو”، ولولا الطائرات الأميركية لما أوقفت مجازر الصرب. لا قيمة لصراخ أنصار بشار وما يكتبون، ما يبطئ التحرك الدولي هو الموقف الإسرائيلي الذي يريد إبقاء بشار. لكن العالم لا تحكمه الرغبات الصهيونية، في النهاية الإسرائيليون براغماتيون وقادرون على التكيف مع ما بعد بشار الذي لا أمل له في البقاء.
في الأردن نشهد موقفا إجماعيا حول سورية، ومن يتحدثون عن انقسام ليرونا حضور أنصار بشار في الشارع. لقد سهر خمسة آلاف أردني حتى مطلع الفجر في رمضان نصرة للشعب السوري، وهتف مثلهم في وسط العاصمة الجمعة الماضية بسقوط بشار. حتى يكون انقسام علينا أن نشاهد مثل هذا العدد يهتف لبشار. وليس أصدق من ميدان التحرير في الاصطفاف وراء شعب سورية، وهو ما تكرر في شوارع تونس وطرابلس وصنعاء وغيرها.
في الموقف الأخلاقي لا تقاس الأمور بالربح والخسارة، فنحن نقف مع الشعب الفلسطيني وهو ضحية ومهزوم، ونقف مع أي شعب ضد جلاده. وفي سورية ينسجم الموقف الأخلاقي المبدئي مع الموقف السياسي المصلحي، لأن كل التقديرات تؤكد أن بشار صار جزءا من ذاكرة المنطقة المثيرة للاشمئزاز.
هل تريد التعليق؟