في الوقت الذي احتفت فيه حركتا حماس وحزب الله بالحوار مع أكاديميين غربيين من بينهم أميركيون بدا مستغربا أن يرفض الإخوان المسلمون في الأردن عرضا للحوار من السفارة الأميركية في عمان. والأكثر غرابة هو ما صرح به مسؤولون في الجماعة في تبرير الرفض, فهم مستعدون للحوار مع جهات غير رسمية ! من أكاديميين وإعلاميين, وربما يكون ذلك تأسيا بحركتي المقاومة حماس وحزب الله, مع ملاحظة أن الحركتين لا تمانعان في حوار ” الرسميين الأميركيين” بل إن حماس سربت أكثر من مرة أخبارا عن “اتصالات” مع مسؤولين أميركيين.
لا أدري ما الفرق بين غير الرسمي والرسمي طالما أن الحديث عن حوار وليس عن اتفاقات وقرارات, والمشكلة ليست بالدرجة الأولى مع الأميركي “غير الرسمي” بل مع
” الرسمي” في سياساته. وما يعني المنطقة هو القرارات الصادرة عن الحكومة الأميركية لا الدراسات والمقالات التي يصدرها أكاديميون. فوق ذلك هل قرار الإخوان برفض الحوار مع الرسميين يعبر عن استراتيجية أم أنه قرار تكتيكي مرتبط بظرف معين زمانا ومكانا ؟ أم أنه محصلة ارتباك وتردد ؟ربما كان مجموع ذلك كله.
فالإخوان المسلمون, تاريخيا, لم تكن مواقفهم بالمتشددة تجاه الحوار مع أي كان, باستثناء مسألة “التطبيع مع الإسرائيليين”. ومع الأميركيين بالذات لم يكن ثمة مواقف استراتيجية عدائية. بل إن جل المشكلة مع أميركا كانت في سياستها المنحازة لإسرائيل ولاحقا تصدر العامل العراقي أسباب الجفاء. وفي غضون ذلك لم تكن أبواب الحوار مغلقة. والحديث هنا عن التيار الإخواني عالميا وليس الأردن بخاصة. وعن قيادات لا عن أفراد فالمرشد العام الأسبق عمر التلمساني حاور ديبلوماسيين أميركيين, وكذا فعلت قيادات الجماعة في غير مكان. وهو منسجم مع تكوين الجماعة التي لم تتخذ موقفا متشددا من الآخر حتى لو حاربته, فمع أن مؤسسها حسن البنا قضى على يد عملاء الإنجليز إلا أنه حاورهم كما يؤكد ذلك في كتابه ” مذكرات الدعوة والداعية “.
وفي قرار الرفض يصعب قراءة موقف استراتيجي جديد. فلا يمكن أن تتحول جماعة بهذا التاريخ والانتشار إلى تنظيم قاعدة يناصب الأميركيين العداوة وينازلهم في كل مكان. ربما كان ذلك تكتيكا ذكيا(وربما غير ذكي؟) يحاول أن يوصل عدة رسائل, أولها للدولة الأردنية تقول إننا وإن اختلفنا وتعرضنا للمضايقة والتهميش فلن نستخدم عصا الإصلاح الأميركية للضغط عليكم وتحصيل مكاسب بمنة الأميركي. وثانيها للأميركيين تقول إنه في وقت يتسابق الجميع على مائدة لديبلوماسي أميركي ثمة من يقول لا لاعتبارات على الأميركيين أن يفكروا بها. فوق ذلك رسالة للقاعدة الشعبية (وليس قاعدة ابن لادن!) تقول إننا عند حسن ظنكم وأسمعنا الأميركيين ما تحبون. ولن نبيع أحلامكم وأشواقكم.
هل وصلت الرسائل ؟ الخشية أن يكون العكس حصل, فالدولة قد تفهم ذلك بأنه تمويه وتغطية لعلاقة قد تكون حميمة سرا, والأميركيون قد يفهمون الرفض بأنه تعبير حقيقي عن عقلية متشددة لا تؤمن بالحوار ومكانها الطبيعي غوانتانامو, والقاعدة الشعبية ربما لم تسمع بالموقف وإن سمعت قد لا ” يفش غلها “.
أرجح أن يكون القوم قد ارتبكوا, كالفقير عندما يدعى إلى قصر تقدم فيه أشهى الأطعمة, ويفضل أن يبقى على جوعه ليجنب نفسه مواقف مربكة لم يتعود عليها.
هذا الارتباك كثيرا ما يفسر مواقف معقدة يحار المحللون في تفكيك ألغازها .
هل تريد التعليق؟