مقالات

الإخوان ما بعد المرشد

أضاف الانقلابيون باعتقال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د. محمد بديع، رصيدا جديدا للجماعة. فهي، بحسب “الإيكونومست” في عددها الأخير، جماعة تستفيد من “المظلومية” أكثر من الحكم. وجاء الاعتقال ليضيف صورة قبيحة جديدة للانقلاب الذي تجرد عسكريا دمويا قبيحا بلا أي مساحيق بعد استقالة محمد البرادعي، ومجازر “الحرس الجمهوري”، و”النهضة” و”رابعة” و”رمسيس” و”مسجد الفتح”.
لم يعتقل حسني مبارك مرشد الإخوان، إذ ظلت للمستبد أخلاقيات تحفظ للرجل شيبته ومكانته. لكن الجنرال السيسي يتصرف بتهور وعنجهية، يليقان بنهم جديد على السلطة. ولا يضير الاعتقال المرشد الذي فقد أغلى ما عنده؛ بكره المهندس عمار ابن 38 عاما، فضلا عن  فاجعته العامة بالمجازر وما حل بالبلاد من كارثة. فبين الخاص والعام يبقى الاعتقال تفاصيل، خصوصا لمن  أمضى ربع حياته في السجون.
في الاعتقال، تكشفت أكاذيب الأسلحة والإرهاب. فالرجل، وهو أستاذ جامعي صنفته الاستعلامات المصرية واحدا من مئة عالم في البيطرة على مستوى عالمي، كان موجودا في شقة تخلو من الأسلحة والمقاتلين، وخصوصا الآلاف من كتائب القسام.
شيخ متماسك مبتسم، يلهج بذكر الله. وهو من واجه الطغاة منذ وقف مع سيد قطب في المحاكمة. واعتقاله خير له وخير للتنظيم؛ فرسالته الأسبوعية عبارة عن توجيهات عامة لا جديد فيها، وفي ظل أجواء الإرهاب والبلطجة، يغدو الحفاظ عليه عبئا هائلا. من قتل المساجين واغتال الأطفال، يمكن أن يفعل بالشيخ أي جريمة بلا رادع.
انتهى دور المرشد بعد الانقلاب وصدور أحكام قضائية بملاحقته. القيادة اليوم هي للشباب الميدانيين. والجماعة التي عرفت ظروف المحنة والحصار، قادرة على الإبداع وبناء حال جماهيرية ستجعل منفذي الاعتقالات يندمون على فعلتهم. كل شاب في حيه قائد، وكل وسيلة للعمل مشروعة بغياب القيادة المركزية. والملايين من البشر لن يتبخروا، بل سيظهرون من حيث لا يحتسب الطغاة.
الجماعة اليوم بين تيارات متنوعة مفتوحة على شارع وتنظيمات أكثر تنوعا؛  تيار أقرب إلى تجربة رجب طيب أردوغان، يرى أن ما جرى في مصر هو ذاته ما شهدته تركيا العام 1996، وانتهى بعودة أردوغان بعدها بخمس سنوات للحكم. هذا التيار يرى في النخب المدنية المعارضة حليفا له. في المقابل، ثمة تيار جهادي ثوري، يرى أن قوس الجهاديين الممتد من تونس وليبيا والسودان والصومال يصل إلى غزة. والصدام مع المشروع الصهيوني والنظام الاستبدادي واحد. وهو يرى في التيارات الجهادية حليفا له. خيار سيكون ثوريا بعيد المدى وليس سريعا؛ على الأقل يحتاج إفشال الانقلاب عاماً.
ليست ثنائية، لكن الجماعة تراوح بين حدي الاعتدال والتشدد، والقرار سيكون ميدانيا، مرتبطا بالظرف الآني. في مجزرة أبو زعبل، استشهد المخرج محمد الديب، وهو معارض لمرسي هاله الانقلاب الدموي. له فيلم على الإنترنت عن ثورة يناير، يروي قصة مُقعد عجز عن المشاركة في الثورة وظل يتابعها على “الجزيرة”، وحاول أن يشارك من خلال الرسم، لكنه سئم. وعندما خرج إلى الشرفة ليشاهد المظاهرة، قُتل برصاص قناص.
الديب وغيره ليسوا إخوانا، لكنهم معتدلون. في المقابل، ثمة أكثر منهم ليسوا إخوانا ولكنهم متشددون وعلى يمين الإخوان. مرسي هو من كان يقود الإخوان باتجاه الاعتدال، وبعد تغييبه تولى القيادة المرشد. اليوم، الإخوان بلا قيادة، والبركة بالشباب في الميدان الذين أثبتوا قدرة على الصمود غير عادية بعد كل هذه المجازر. والمأمول أن يظلوا قابضين على جمر السلمية. وهم بذلك ينتصرون ولو بعد حين.

[email protected]

هل تريد التعليق؟