عندما سمعت رسالة أمير الدولة الإسلامية في العراق، أبو عمر البغدادي، يتحدث عن ضربة نووية لإيران في تسجيله الأخير، توقعت أن يعلن موقفا رافضا لها، ولكنه ثبت على الموقف العقائدي المطلق للقاعدة والذي يتعامل مع الخطر الصفوي كما الخطر الصهيوني، موقف يبدو مختلفا بعض الشيء عن موقف أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان. فمع أنه لم يعلن صراحة أنه مع حزب الله إلا أنه دعا إلى صد العدوان ومقاتلة الإسرائيليين. بخلاف البغدادي الذي يقاتل الصفويين والأميركيين على السواء. <br/>في هذه المحكات يبدو الفارق واضحا بين الإخوان المسلمين والقاعدة. فالإخوان لم يكتشفوا الخلافات المذهبية مع إيران على حين غرة. هم يعلمونها جيدا. وللعلم الإخوان منذ الثمانينيات يدرسون كتاب “تعريف عام بمذهب الشيعة الإمامية”، وهو من تأليف الدكتور محمد أبو فارس. ومنذ تأسيس الجماعة تعاملوا مع الشيعة على أساس أنهم مسلمون من أهل القبلة، نختلف معهم على قاعدة التقريب. أمّا إعلان الحرب عليهم فسيدمر الوحدة الإسلامية ويخدم المشروع الصهيوني بالدرجة الأولى. ولنا في الحرب العراقية الإيرانية عبرة. تلك الحرب دمرت مقدرات أهم بلدين في المنطقة، وكانت – كما كُشِف لاحقا- وكالة الاستخبارات الأميركية تمد الطرفين بالمعلومات كلما رجحت كفة الآخر. واليوم ثمة من يريد حل الخلافات مع إيران بذات الطريقة. <br/> <br/>كما قال لي أبو محمد المقدسي، وهو أبرز منظري السلفية الجهادية، عندما قابلته، فإنّ الموقف المغالي من الشيعة كان سببه دول الخليج بتأثير الحرب العراقية الإيرانية. اليوم يكاد التاريخ يعيد نفسه، تحشيد لحرب إيران، المقصود ليس المذهب الجعفري، المقصود البرنامج النووي. وفي الغضون تشتعل الفتنة المذهبية. هنا يبرز دور الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية، فهي ترفض أن تكون جزءا من “حرب الأفكار” التي ابتدعها رامسفيلد. وهي تتعامل مع إيران باعتبارها جارا شريكا في الحضارة والتاريخ والمصالح. والخلافات معها تُسوّى كأي خلاف بين الجيران. <br/> <br/>لنتذكر أن الخطر الصفوي كان يجسده شاه إيران، وهو كان شرطي الخليج المسنود أميركيا وإسرائيليا. وأن الثورة الإسلامية في إيران هي التي أغلقت سفارة إسرائيل وحولتها إلى السفارة الفلسطينية، أما السفارة الأميركية فقد احتلها الطلبة الثائرون. المسلمون السنة ابتهجوا بالثورة، ولا زلت أذكر احتفالات إخوان الأردن بها. كان حفلا مركزيا في المسجد الحسيني الكبير عريفه عبدالله عزام رحمه الله. موقف الإخوان ليس جديدا فقد وقفوا مع نواب صفوي في الستينيات ضد الشاه. وهم حتى مع الشعوب غير المسلمة يقفون مع المظلوم ضد الظالم. <br/> <br/>تعاملت الشعوب العربية والمسلمة بإعجاب وانبهار بالثورة الإسلامية، ولكن الموقف الرسمي تعامل معها باعتبارها خطرا على الأنظمة. لم يخض صدام حسين الحرب مع إيران وحيدا، كان المدد العربي لا يتوقف، وفي أيامها زار رامسفيلد بغداد، وتصور الصورة الشهيرة مع صدام. وفي أثناء الحرب ضربت إسرائيل مفاعل تموز، وزودت إيران بالسلاح سرا. الهدف كان واضحا تدمير أكبر قوتين مهددتين لإسرائيل على حساب العرب والمسلمين. انتهت الحرب ولم يتحقق الهدف، خرج البلدان من الحرب مدمرين اقتصاديا وقويين عسكريا، فكان لا بد من جولة جديدة فاستدرج صدام لحرب الخليج الثانية وصولا إلى تعليقه على أعواد المشانق. <br/> <br/>في أثناء الحرب كان موقف الإخوان واضحا في رفضها واعتبارها فتنة بين بلدين مسلمين. ورحبوا بوقفها. اليوم يقف الإخوان في المربع الصحيح فالتناقض الأساسي هو مع “المشروع الصهيو- أميركي”، فإيران تمارس نفوذا وتأثيرا في العراق ولبنان وافغانستان، أما إسرائيل وأميركا فهما دولتان محتلتان. أميركا تحتل العراق وافغانستان، أما إيران فوقفت جيوشها عند الحدود الدولية. الخلاف مع إيران مثل الخلاف مع تركيا على لواء الاسكندرون. ومن يريدون بدافع قومي اليوم إعلان النفير على إيران عليهم أن يعلنوه على تركيا. أما دعم إيران لحزب الله وحماس وقوى المقاومة فهو محل ترحيب. <br/> <br/>قبل كل شيء الحرب على إيران ليست نزهة. وستدفع الأمة ثمنا باهظا فيها. من مقدراتها ومن دماء أبنائها. وفرق الموت التي تفتك بالعراق اليوم عامل من عوامل نشأتها الحقد على من تسبب في قتل أبنائها في الحرب العراقية الإيرانية، وللعلم معقل فرق الموت في مدينة الصدر كان فيه العدد الأكبر ممن احتفى بهم نظام البعث شهداء صدوا عادية الفرس. الحرب ليست وشيكة ولكنها ليست بعيدة. وعشية الحرب نستعيد أجواء ما قبل الحرب العراقية الإيرانية. فإيران تحتل عربستان وتريد تصدير الثورة. <br/> <br/>لا أدري كيف سيكون الموقف من “العدو الفارسي” عندما تبدأ التلفزيونات ببث صور أول مجزرة بفعل قصف الطائرات الإسرائيلية لمجمعات سكنية يعتقد أنها نووية. جثث الأطفال ستشبه بالتأكيد جثث أطفال صبرا وشاتيلا وقانا وغيرها. هنا أقتبس من مدونة كاتبة خليجية عندما وقعت مجزرة قانا. نشرت صورة لطفل شهيد وتساءلت عن موقف علماء بلدها من “أطفال الرافضة”. سؤال سيتكرر في إيران وفي كل مكان تصله ألسنة اللهب. الموقف الأخلاقي والسياسي من ذلك هو رفض العدوان على إيران قبل أن يقع لا التعامل مع نتائجه. وهذا هو موقف الإخوان، والمأمول أن يكون الموقف العربي الرسمي بمستواه. فالعالم الإسلامي يدفع حتى اليوم ثمن الحرب العراقية الإيرانية ولا نريد تكرارها. <br/> <br/>[email protected] <br/> <br/> <br/></p></div></h4>
هل تريد التعليق؟