الرأي العام الأردني يثبت في أكثر من استطلاع أنه حيوي دينامكي، لا جامد استاتيكي؛ فهو يتغير وفق ما يشاهد على الأرض وما يرى في الإعلام، وليست لديه مواقف مطلقة جاهزة.
استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية الكشف عن تغير حوهري، تلعب فيه العوامل السياسية دورا حاسما أكثر من العوامل الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية.
فمقتل الزرقاوي على يد الأميركيين ضاعف نسبة من يعتقدون أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بقيادته منظمة مقاومة مشروعة؛ إذ كانت النسبة 6.2 في المائة بعد تفجيرات عمان، فارتفعت بعد مقتله إلى 15.6 في المائة، وهي نسبة تختلف عن تقييم القاعدة بقيادة بن لادن؛ إذ ترتفع نسبة من يرونها منظمة مقاومة مشروعة إلى ربع العينة. في الوقت الذي اعتبر فيه 40 في المائة أن قتل الزرقاوي على يد الأميركيين عمل إرهابي.
تلك الأرقام تختلف كثيرا عندما يتعلق الأمر بحماس وحزب الله؛ فنسبة من يرونهما مقاومة مشروعة تصل في حالة حماس إلى 69 في المائة، في مقابل 63 في المائة في حالة حزب الله. هنا تجدر ملاحظة عامل الخوف في زيادة نسبة من يجيبون بـ”لا أعرف”، وهي نسبة تحسب في صالح حماس وحزب الله والقاعدة، وإن كان القائمون على الاستطلاع يرون أن عوامل أخرى تحكم من يجيبون بـ”لا أعرف”، منها فعلا عدم معرفة المستطلع بطبيعة التنظيم، فهو غامض بالنسبة له، أو يسمع أخبارا متناقضة عنه.
وخلافا لتحليل كثير من المتابعين، لم يحكم العداء لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة رأي العينة الوطنية بخصوص العمليات التي تستهدف المدن الأميركية؛ فقد ارتفعت نسبة من يرون تفجير برجي مركز التجارة عملا إرهابيا من 34 العام 2004 إلى 61 في المائة العام 2006، لكن نسبة من يرون أن العمليات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق هي عمليات إرهابية وصلت إلى 77 في المائة. أما فيما يتعلق باستهداف جيوش التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق، فقد بلغت نسبة من يعتقدون أن ذلك عمل غير إرهابي 57 في المائة، خلافا لاستهداف المدنيين في العراق، بمن فيهم الشيعة، إذ اعتبرت نسبة 69 في المائة ذلك عملا إرهابيا. وترتفع النسبة عندما يتعلق الأمر بقتل الفلسطينيين على يد الإسرائليين إلى 90 في المائة. وتزيد النسبة في فنادق عمان إلى 93 في المائة.
ثمة موقف يدين استهداف المدنيين في عمان أو شرم الشيخ أو لندن أو نيويورك أو غيرها، وفي المقابل ثمة تأييد للمقاومة في العراق وفلسطين ولبنان. الرأي العام الأردني باختصار لا يرى مسوغا لاستهداف المدنيين غير المحاربين، وبنظره فإن الجيش الإسرائيلي في فلسطين وجيوش التحالف بقيادة أميركا في العراق إرهابية ومقاومتها مشروعة.
90 في المائة اعتبروا ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين إرهابا، وقد جرى الاستطلاع بعد مجزرة عائلة غالية وصورها المروعة. و77 في المائة يرون ما تقوم به جيوش التحالف بقيادة أميركا في العراق إرهابا. هذه النسب بنظر الدكتور محمد المصري، المشرف على الاستطلاع، تؤثر على نسبة من يعتبرون أن القاعدة منظمة إرهابية؛ فالنسبة انخفضت بخصوص القاعدة بقيادة الزرقاوي من 72 في المائة بعد تفجيرات عمان إلى 54 في المائة بعد مقتله، لتنخفض بخصوص القاعدة بقيادة بن لادن إلى 41 في المائة؛ أي أن الصورة تصبح إرهابا عربيا إسلاميا في مواجهة إرهاب إسرائيلي أميركي.
الاستطلاع كشف صعوبة الحرب على التطرف والإرهاب؛ فالعوامل الحاسمة فيه ليست الثقافة والظرف الاقتصادي والمناهج الدراسية، العوامل الحاسمة لها علاقة بالاحتلال الذي لا يبدو أنه سيرحل قريبا، بقدر ما عكس وضوح الرؤية لدى الأكثرية في تعريف الإرهاب.
لنعترف أن من 15 إلى 25 في المائة من الرأي العام الأردني يشكل الأرضية الخصبة لتبني أفكار القاعدة وبالتالي التجنيد فيها. وهذه النسبة بالمناسبة لا تتركز في المناطق الفقيرة والمهمشة وقليلة التعليم، بل هي موزعة على المجتمع بشكل عام، الأمر الذي يحتاج إلى حلول سياسية بالدرجة الأولى، ثم فكرية وثقافية واقتصادية واجتماعية.
هل تريد التعليق؟