يُنتقد الإسلاميون بأنهم اصحاب شعارات ولا يملكون برامج عملية، فما أن يصلوا إلى مواقع القرار حتى يتكشف مدى فراغ شعاراتهم وعقم برامجهم. غير أن التجربة تكشف العكس؛ في الجزائر لم تحقق الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزها التاريخي إلا بعد أن اختبر الناس أداءها في البلديات التي اكتسحتها. ولو أتيح للجبهة ان تحكم وفق نتائج صندوق الاقتراع لأمكن الحكم عليها أما وقد دمر الجيش المسار الانتخابي فقد غدت المنافسة في ممارسة العنف لا في ممارسة السياسة.
تلقى المشككون إجابة حاسمة في الانتخابات البلدية التركية التي أثبتت أن الإسلاميين قادرون على إدارة البلديات أكفأ من غيرهم. لم يكن رجب طيب أردوغان حاصلا على الدكتوراة من جامعة فرنسية في إدارة المدن ولا ما يحزنون، كان قياديا طلابيا في الحركة الإسلامية التركية وليس أكثر من لاعب كرة قدم. الجمهور التركي كان يعرف ماذا لدى الشاب الذي يتقن الخطابة. كانت لديه يد نظيفة مقابل مافيات الفساد التي حولت البلاد إلى شركة توزع أرباحها على أفراد العصابة.
باليد النظيفة جعل أردوغان اسطنبول مدينة نظيفة في الشكل والمضمون، عندما تزور قبر أبي أيوب الأنصاري الصحابي التسعيني المدفون في القسم الأوروبي من اسطنبول أثناء المحاولات الأولى لفتح القسطنطينة يخبرك الأتراك أن أجمل مناطق اسطنبول اليوم كانت قبل أردوغان بحرا وشاطئا لا تستطيع أن تمر بها دون إغلاق أنفك من الروائح القذرة تماما كما السياسة التركية. قصة النجاح في البلدية قادته إلى السجن بعد خطابه الناري “المآذن رماحنا والقباب خوذنا” لم يكن السجن غير محطة للانطلاق إلى موقع رئاسة الوزراء، واليوم غدا موقع رئاسة الجمهورية في متناول يد لاعب كرة القدم.
بعيدا عن أحلام اليقظة ليس الأردنُ الجزائرَ ولا تركيا. ومع ذلك حتى في ظل الأحكام العرفية أتيح للإسلاميين في الأردن تقديم نموذج فريد، وهو أحمد قطيش الأزايدة رحمه الله، فالمهندس الشاب نجح في قيادة بلدية مادبا ذات الخليط الاجتماعي المركب طائفيا وعشائريا وإقليميا. ولولا أن اختطفته يد المنون مبكرا لكان له وللحركة الإسلامية شأن آخر. قلما شهد الأردن جنازة مثل جنازته؛ الطريق من عمان إلى مادبا بدا سلسلة متصلة من السيارات، القيادي الإسلامي قرعت أجراس الكنائس حزنا عليه.
تستطيع الانتخابات البلدية أن تقوم بدور حاسم في تأهيل قيادات سياسية على مستوى البلاد من مختلف الاتجاهات. لكن قانون البلديات صمم بطريقة لا تسمح لرئيس البلدية أن يقود بالفعل الحكم المحلي، والأهم من ذلك مدى حيادية الحكومة في الانتخابات. فالحكومة لا بد أن تثبت أنها على مسافة واحدة من الجميع. وخصومتها السياسية مع الإسلاميين لا يجوز أن تنعكس على نزاهة الانتخابات. ولو أدارت الحكومة الانتخابات بنزاهة وحياد فسيكون هذا مشجعا للمشاركة في الانتخابات النيابية, والعكس سيدفع المعارضين إلى خيار المقاطعة.
في البلديات لا توجد برامج سياسية (وكأن مرشحي مجلس النواب أو الوزراء لديهم برامج سياسية!) التصويت سيكون على مدى نظافة يد المرشح. فالأردن بلد صغير والناس تعرف بعضها جيدا. وإن وصل أصحاب اليد النظيفة إلى موقع الحكم المحلي فإن البلاد ستكون قطعت شوطا مهما في الإصلاح. فلا يمكن للفاسدين أن يصلحوا سياسيا.
هل تريد التعليق؟