بدأ وزير التنمية السياسية السابق كمال ناصر بالإصلاح السياسي من الخارج . وهذا ما سمعته منه في أول لقاء معه ، فقام في جولة شملت الإمارات والبحرين والتقى بالجالية الأردنية داعيا إلى الإصلاح . وهذا ما يجعل مهمة الوزير الحالي موسى المعايطة سهلة بعد تأمين الجبهة الخارجية ! خصوصا بعد التراكم المذهل في الملف الإصلاحي من الهايد بارك التي أطلقها صبري ربيحات وزير الثقافة الراهن إلى أكثر الوزراء” إيمانا” بالإصلاح السياسي هشام التل ! <br/>تنوء وزارة أو حكومة بلمف الإصلاح السياسي . وبالكاد تقدر على حمله قوى الدولة والمجتمع معا. ويتداخل فيه الخارجي إقليميا ودوليا وصولا إلى البيت الأبيض مع المحلي نزولا إلى مضارب عشيرة أو زقاق مخيم . ففي لقاء مع المرشح الرئاسي السابق والزعيم الديموقراطي جون كيري مع عدد من الصحفيين كان حديث صريح يربط بين المساعدات الأميركية والإصلاح السياسي . ومع أن الزائر الأميركي لم يحدد موقفا إلا أنه سمع كلاما مضطربا حول الإصلاح . والذي يراه البعض مجرد توسيع لدائرة الامتيازات الرسمية للأردنيين من أصول فلسطينية . <br/>لنفترض أن كيري همس في أذن أوباما ودس في جيبه اسما أو قائمة أسماء حتى يتسنى فرضهم على الدولة الأردنية ، هل يمكن أن يستجاب له ؟ في العراق الذي بذل أميركا فيه دماء أكثر من أربعة آلاف من أبناءها وبددت زهاء نصف ترليون لم تسطع فرض أجمد الشلبي ولا اياد علاوي . لم يكونا قد تصادفا مع مؤسسة تمويل أميركية ولا اشتركا في مؤتمر حضره مساعد بحث في مجلس الشيوخ ، الأول كانت وزارة الدفاع بوزيرها الحديدي رامسفيلد وراءه والثاني كانت وكالة الاستخبارات الأميركية وراءه . هل يكفي المثال العراقي ؟ <br/>توجد حدود للدور الأميركي ، فهم لم يستطيعوا دعم جماعتهم في العراق ، ولم يستطيعوا إقصاء خصومهم في فلسطين . وتركوا حلفاءهم معزولين في لبنان . لم يكن الأميركيون سعداء بهزيمة الشلبي وعلاوي وكانوا تعساء بصمود حماس وانهيار الدحلانية. وتقطع قلبهم وهم يشاهدون الجناح العسكري في حزب الله يجوب بيروت بالسيارات الأميركية السوداء ذات الدفع الرباعي ، لكن ماذا يفعلون هل يرسلون جنودهم من أفغانستان والعراق ليقاتلوا نيابة عن الحلفاء ! <br/>في الأردن الدور الأميركي أكثر محدودية ، لسبب بسيط . تاريخيا الدولة الأردنية حليف موثوق ، ولم تتعرض العلاقات الأميركية الأردنية للقطيعة إلا في فترة محدودة هي حرب الخليج الثانية وتم تجاوزها بعد توقيع معاهدة السلام مع الإسرائيليين . وفي التحالف الاستراتيجي تحققت مصالح للطرفين ، وعندما يقدم الأميركيين مساعدات مالية وعسكرية لا يقدمونها عن روح الآباء المؤسسين بل مقابل مصالح حيوية متجددة . <br/>لا يستيطيع الأميركيون أن يفرضوا إصلاحا سياسيا على الأردن ، وفي أحسن الأحوال يمكن أن يقدموا نصائح وانتقادات . وهم يدركون إن الإصلاح هو مطلب من الداخل قبل أن يكون فرضا من الخارج . وحتى لا نتوهم كثيرا علينا أن نتذكر أن العطب الإساسي الذي عطل الإصلاح السياسي في الأردن ، وهو قانون انتخابات الصوت الواحد المجزوء حظي بدعم وتسويق أميركيين سرا وعلانية . ولم يترك حينها في العام 1993 السفير الأميركي شخصية التقاها دون التبشير بالقانون، الذي أقر في غيبة البرلمان . ولم يكن دستوريا ولا ديموقراطيا لا في مضمونه ولا في آلية أقراره . <br/>يحتاج الأردنيون ، تماما كما المنطقة كلها ، إلى دور أميركي حاسم في الإصلاح ؛من خلال حل الصراع العربي الإسرائيلي . فهو على مستوى الأردن يشكل ” العقدة ” المستعصية . فالأردنيون من أصل فلسطيني والذين يشكلون 43 في المئة من حملة الرقم الوطني يتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال السياسي ، سواء من إسرائيل أو النخب المتأسرلة . فالإسرائيليون يضيفون إليهم الفلسطينيون من أبناء الضفة وقطاع غزة المقيمين في الأردن ليقولوا أن سبعين في المئة من الأردنيين فلسطينيون وبالتالي تحل القضية الفلسطينية بمنحهم حقوقهم السياسية والمدنية ووقف سياسة التمييز ! <br/>مثل هذا الكلام الإسرائيلي أو الأميركي المتأسرل هو وصفة حرب أهلية لا وصفة إصلاح . والرد عليه لا يكون بالتشنج وافتعال هوية أردنية عنصرية مغلقة . الرد عليه يكون بالإصلاح السياسي الحقيقي الكفيل ببلورة هوية وطنية أردنية منفتحة . ليس تحليقا حالما منفكا عن الأرض ؛ في عام 1989 تحقق ذلك . عندما انتخب أبناء مخيم البقعة عبد اللطيف عربيات وعندما انتخب أبناء عشائر سحاب حمزة منصور ، وقبلهم بعقود عندما انتخب أبناء مدينة القدس الفلاح الكركي يعقوب زيادين . <br/>لا يقلل من أردنية المواطن أن يقال أنه من أصل فلسطيني . بل على العكس ، تشكل فلسطين قضية جامعة للأمة كلها ، وفي حرب غزة بدا أن المناطق الشرق أردنية لم تقل انفعالا إن لم تزد عن المناطق ذات الحضور الفلسطيني . لكن يقلل من الأردنية ويهدد الهوية الوطنية صنفان ، الأول من يرى أن حقوق الفلسطينين في الأردن وليس في فلسطين ، بمعنى أن يورث ابنه أن حقه هو وظيفة حرم منها في قطاع عام أهم من حقه في القدس . وصنف آخر لا يقل سوءا يرى أن القدس وفلسطين قضية لا تعني الأردن وأن الهوية الأردنية مغلقة على من ولدوا شرق النهر قبل 1948 . <br/>لن ننتظر حتى تحرر القدس ، ونقرر من هو الأردني حتى يتحرك قطار الإصلاح . في غضون الإصلاح السياسي نستيطيع تطوير الهوية وبلورتها . بشكل يبدد قلق الأردنيين من ضياع بلدهم كما ضاعت فلسطين من خلال حل على حسابهم ، ويمكن الأردنيين من أصل فلسطيني من الشراكة الفاعلة بما لا يمس من حقوقهم الثابتة في وطن الأجداد . فحق العودة نص عليه في وثائق الوحدة قبل احتلال القدس واحتلال الضفة . <br/>لم يفرض الأميركيون قانون الصوت الواحد المجزوء عام 1993 لكنهم تبنوه ، واليوم لا يستطيع الأميركيون فرض قانون انتخابي جديد . يستطيع الأردنيون صياغة قانون الانتخابات الذي يريدون ، وإجراء انتخابات نزيهة ، تفرز مجلس نواب مقتدر يواجه التحديات . على مستوى محلي ودولي . وفي وجود مجلس نواب قوي تكون قدرة الدولة عالية في مقاومة الضغوط وتحقيق المكاسب . هنا يبدو النموذج التركي واضحا . فما حققته الديموقراطية من مكاسب وما قاومت من ضغوط يفوق بكثير ما حققه العسكر . <br/>توجد مساحة واسعة للدور الأميركي في الضغط على إسرائيل وصولا إلى إحقاق الحقوق الفلسطينية ، وهذا مطلب يجب أن يسمعه المسؤولون الأميركيون في كل بلد يزورنه ، وتوجد مساحة أوسع لإشاعة جو احترام حقوق الإنسان والديموقراطية عالميا . ومن مصلحة الأردن أن يندرج في هذا الجو العالمي والذي تشكل إدراة اوباما جزءا منه .ولا شك أن الجو العالمي اليوم ، اصلح بكثير من أيام بوش . فرق كبير بين إدراة ميز عهدها غوانتمو والسجون السرية وبين إدارة بدأت عهدها في أغلاق غوانتمو . لكن الإدارتين أعجز من أن تفرضان على الأردن أو غيره إصلاحا . <br/>[email protected] <br/>الغد.</p></div></h4>
هل تريد التعليق؟