يتبادل المغرّدون الإماراتيون الرسميون الأدوار في التعبير عن العلاقات بين بلادهم وإسرائيل، ولعل أصدقهم حمد المزرعي الذي يجاهر بمعاداته للفلسطينيين، ويلهج بالدعاء للصهاينة بالنصر، ولا ينافسه غير الجنرال ضاحي خلفان (لماذا لا يرقّى إلى رتبة مشير؟) في الوقوف على يمين الليكود، في خطابٍ عنصري تافه، يقابله عبد الخالق عبدالله الذي يُشكّ بأنه يخضع للضغوط أحيانا، لكنه ما يزال يتبنّى خطا متحفظا على التطبيع. وفي المنتصف، يقف رجل الحكمة، وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، الذي يتبنى شكلا خطاب الملك حسين وياسر عرفات، وغيرهما من الذين يعتقدون أن بالإمكان التأثير على الرأي العام الإسرائيلي من خلال “الاشتباك المباشر معه”. ويتجاهل أن الملك وعرفات، وقبلهما أنور السادات، خاضا حروبا مع دولة الاحتلال، فالأردن خسر نصف المملكة في حرب 1967، وقبلها حرّر القدس القديمة عام 1948 ووحد الضفتين، وعرفات ظل يقاتل منذ عام 1965 ويحاول بناء دولة فلسطينية، والسادات خسرت بلاده سيناء وخاض حرب 1973.. أين الإمارات من ذلك كله؟ والثلاثة، وقبلهم بورقيبة عندما دعا إلى الصلح مع إسرائيل، كانوا يؤمنون بالحق الفلسطيني، ويرون أن العرب هزموا عسكريا، ولا قدرة لهم على استعادة الحقوق بغير التفاوض واختراق الرأي العام الإسرائيلي. وفي المحصلة زاد تطرف المجتمع الإسرائيلي، ولم يعد من بين سياسييه الحاكمين من يؤمن بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم. في مسار تصاعدي، من مقال السفير يوسف العتيبة في “يديعوت أحرونوت”، وقبله وبعده التطبيع بالطيران وإقامة احتفالات الجالية اليهودية، وصولا إلى ما نشرته “تايم أوف إسرائيل” أمس، عن أن الإمارات تسعى إلى نقل تحالفها الاستراتيجي مع دولة الاحتلال لمواجهة الربيع العربي وتركيا وإيران، من السر إلى العلن، وصولا إلى رفع أعلام البلدين في سفاراتٍ رسمية، بدل القنوات السرية. في هذه الصحيفة، شرح قرقاش تقارب بلاده المستمر مع دولة الاحتلال، قائلا إنها تريد “فصل الخلافات حول القضية الفلسطينية من المنافع المتبادلة للتعاون في المجالات الأخرى”. وفي حديثه أمام مؤتمر أميركي يهودي كبير عبر الإنترنت، أكد الوزير الإماراتي رأيه بأن المقاطعة العربية المستمرة منذ عقود لإسرائيل لم تسفر عن النتائج المرجوة، ودعا إلى “فتح خطوط اتصالات”، و”زيادة الاتصال بالقدس في مجالات مختلفة، مثل التكنولوجيا والصحة”. و”لا يمكنني أن أجد خلافا سياسيا مع إسرائيل، ولكن، في الوقت نفسه، أحاول أن أجسّر جوانب أخرى من العلاقة؟ أعتقد أنني أستطيع”. قال قرقاش في مقابلة مع المنتدى العالمي الافتراضي للجنة اليهودية الأميركية: “أعتقد أن هذا هو جوهرنا”.
يتذرّع قرقاش بأن مصر والأردن وتركيا لديها بالفعل علاقات رسمية مع إسرائيل، وقطر ودولاً أخرى في الخليج “قادت الطريق نحو إقامة علاقات أكثر طبيعية مع إسرائيل”. بقدر ما يتجاهل الوزير الفروق بين بلاده البعيدة ودول الطوق، يتجاهل طبيعة العلاقة من تفاوض علني للوصول إلى حقوق مشروعة وفق القانون الدولي إلى تحالف يغيّب انتهاك إسرائيل للقانون الدولي. وفوق ذلك، تجاهل السياق الزمني لإقامة بعض الدول، مثل قطر وعُمان والمغرب وغيرها، علاقات مع إسرائيل، في ظل اندفاعة عملية السلام عقب اتفاقية أوسلو ومعاهدة وادي عربة.
يتجاهل قرقاش أن علاقات الأردن مع دولة الاحتلال تمر في أسوأ حالاتها، ويتغاضى عن التهديد الوجودي الذي يشكله ضم الضفة الغربية للأردن والسلطة، ويتجاهل أن قطر أغلقت مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي في ظل حرب غزة الأولى قبل عقد، وبكل صفاقة يقول إن تلك الدول “قادت الطريق”.
المفارقة أن الفصل بين السياسة ومتطلبات الحياة ومواجهة كورونا لا ينطبق في سياسة الإمارات إلا على نتنياهو وعلى بشار الأسد وإيران، ولا ينطبق على قطر وليبيا وتركيا. والمفارقة أن العلاقات الاقتصادية مع إيران لم تتضرّر، على الرغم من التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل. ما هو أخطر من التحالف مع الصهاينة هو التحالف مع اليمين المتطرّف المعادي للعروبة والإسلام في أوروبا وأميركا، بذريعة مواجهة الإسلاميين.
حسنا، هل فلسطين والعروبة والإسلام في خطر من جرّاء تحالف الإمارات مع الصهاينة والتيارات اليمينية؟ ببساطة، الإمارات في خطر، عندما تعادي سياستها الرسمية مشاعر الإماراتيين أولا، ومشاعر المحيط العربي والإسلامي.
هل تريد التعليق؟