للتاريخ، لم يعقد العرب مؤتمرا من أجل العراق منذ احتلاله، وكما لم يتحرّكوا من أجله وطنا جامعا، ودولة عضوا في جامعة الدول العربية، تقاعسوا في رفع الظلم عن الفئة “الأكثر تهميشا فيه”، وهم العرب السنّة، وخصوصا عندما تحرّكت محافظات هؤلاء في العام 2011 في مطالب واقعية محدّدة، وتركوها نهبا لتسلط نوري المالكي الذي أعمل فيهم القتل والاعتقال وأشكال القمع كافة، ليراكم على ظلم الاحتلال وظلم المليشيات في الحرب الطائفية، وليؤسس البيئة الحاضنة والمنتجة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لم يُرفع شعار الفدرالية طوال سنوات الجمر التي عاشها السنة، وظلوا يرون في أنفسهم صورة العراق وطنا نهائيا، ولا يرون في طائفتهم وطنا. من المستغرب أن تدعو الإمارات ساسة من السنّة، سرّا، إحياءً لمطلب الفدرالية في ظل تصاعد الخطاب الوطني الجامع في التظاهرات وتراجع الممارسات الطائفية للدولة في آن. وزيادة التهديدات الخارجية في ظل حروب الوكالة في الإقليم.
من المهم أن يفهم الساسة في الإمارات أن الفدرالية التي تأسست عليها بلادهم غير العراق. فرق بين مشيخات ساحل عُمان التي اتحدت في سبعينات القرن الماضي، لسد نقص السكان (وهذا ليس عيبا) وبلد تاريخي تشكلت حضارته قبل الميلاد، واستمرت من بعده، وكان المفكرون في الغرب يعتقدون أنه سيشهد ميلاد الرأسمالية، بدلا من هولندا.
بوضوح، وحّدت الفدرالية الإمارات التي لم تكن يوما موحّدة، فيما اليوم تقسّم دولة الإمارات العراق الذي ظلّ موحدا منذ تأسيسه. صحيحٌ أن دستور الحاكم الأميركي في العراق، بول بريمر (2003 – 2004)، يسمح بمطلب الفدرالية، ولكن هذا مثل الطعام المباح الذي يقتل المريض إذا تناوله بعد خروجه من العملية. فرقٌ بين تقسيمات إدارية للدولة من جهة والتشظي السياسي واللعب على غرائز الناس ومخاوفهم من جهة أخرى.
من المفيد أن تنشغل الإمارات بتحرير جزرها، المحتلة رسميا من إيران، بدلا من الانشغال بمحاربة إيران حتى آخر عراقي. توجد مشكلات كبرى مع الطموح الإمبرطوري الإيراني من أيام الشاه، والذي كانت الإمارات من ضحاياه عندما احتلت جزرها. وبعد الثورة الإسلامية في إيران، تصدّى صدّام حسين لمطامح الخميني بتصدير الثورة في حربٍ دمرت البلدين. وفي النهاية، هزم المشروعان، الإسلامي الخميني والقومي الصدامي، لا الخميني وصل إلى القدس عبر البصرة، ولا صدام وصل إليها عبر عربستان ولا الكويت.
نحن اليوم نعيش لحظة الطموح الإمبرطوري الإماراتي. وعلى السنّة في العراق أن يبذلوا مزيدا من الدماء لهزيمة إيران، في ظل تقاعس أميركا عن خوض الحرب. تبدأ الحرب بإعلان الأقاليم السنية، ثم يحاول الحكم “الشيعي” جيشا وحشدا إنهاء التمرّد والانشقاق. يردّ الأميركان من خلال قواعدهم عسكريا مسنودين بحشد سنّي تموّله الإمارات وربما السعودية، ويعيدان إنتاج “قسد” (قوات سورية الديمقراطية) عراقية. طبعا في سيناريو تمرّد خليفة حفتر على الدولة والحكومة الشرعية في ليبيا معتمدا على الشرق خبرةً يعتدّ بها.
لن تكون الأقاليم السنّية مثل إماراتي دبي والشارقة بموازاة إمارات أبو ظبي وعجمان والفجيرة تتنافس بعلو الأبراج. ستعيد إنتاج ولايات “داعش” وإماراتها، مع فارق سلفية المدخلي بدلا من السلفية الجهادية، مثل ليبيا واليمن، هاني بن بريك ومحمود الورفلي، وسواهما من مشايخ السلفية القتلة. وسيجدون في الشيعة منافسين في علوّ منسوب التطرّف والقتل.
يحتاج العراق العرب بقدر حاجتهم إليه، وهذا يتطلب تحرّكا جدّيا في وضح النهار لجمع شتاتهم، لا تحرّكا سرّيا لتشتيتهم. وشرط أي تحرّك ناجح هو الشفافية والعلنية، والالتزام بالمؤسسات، فمهما اختلفت مع الدولة العراقية، تظل قائمة بحكومة منتخبة (انتخابات مثل الانتخابات اللبنانية وأفضل) وجيش موحّد. وفي المقابل، شارع ثائر بمطالب مشروعة، ليس من بينها “الفدرالية”. الشباب العراقي يطمح بوطن موحّد يعيش فيه بحرية ومساواة وعدالة وكرامة. لا إمارات فاشلة تحارب إيران بالوكالة، أو تحارب حروب إيران بالوكالة.
هل تريد التعليق؟