مقالات

الاستعمارية في صفقة “مكتوب”!

  أكثر ما أعجبني في صفقة “مكتوب” مع ياهو  التفسير التآمري لها. واعتبارها ضربا من الهيمنة التي تسلب العرب خيراتهم التقنية. وعندما سمعت نقاشا كهذا قلت ليت المؤامرة تستمر ونكثر الخيرات وننعم بمال الغرب. وليبق المصابون بعُصاب الغرب وحزب الحسد وأعداء النجاح يندبون حظوظ الأمة في مجالس العزاء المديدة.

  لا ريب بوجود هيمنة غربية لكنها ليست شاملة ولا مطلقة، فكل جماعة تسعى لتعزيز مكاسبها وفتح أسواق وترويج منتجاتها … الريب هو في الاستسلام لتلك الهيمنة، والزهد في محاولة الفكاك منها. وفرق بين الروح المتفائلة الوثابة المتمردة التائقة إلى الانعتاق وبين الروح المحبطة الناكصة المستكينة الراضية بالاستلاب.

  من مظاهر الهيمنة اللغة، وعندما سمح بوش الأب في مطلع التسعينات باستخدام النت لغايات مدنية لجميع شعوب العالم لم يربط قراره بترجمته. وإلى اليوم ما تزال الإنجليزية لغة الاستخدام الأولى. ولو أن الأميركيين يتحدثون العربية لكانت الأكثر انتشارا. ولم ينغلق النت على لغته الأم بل انفتح على لغات العالم، وكل قوم حسب جدهم وارتقائهم تمكنوا من تطويع لغاتهم مع التقانة الجديدة.

  كان الصديق سميح طوقان وهو من مواليد 1969من المبادرين في تعريب الشبكة العنكبوتية. تخرج من مدرسة المطران في عمان  وأكمل دراسته في بريطانيا وفرنسا. واختار أن يعمل في بلده. كان بإمكانه أن يستقر في الغرب ويهنأ في فقاعة الإنترنت التي بلغت ذروتها في الوقت الذي أسس فيها مكتوب عام 2000.

  أسس الشركة برأسمال ثلاثين ألفا، ولم يكن وحيدا، أُسست شركات عربية برأسمال أكبر في حينها وفشلت. والأهم من  النجاح المالي الذي تجلى في صفقة ياهو هو تعريب الإنترنت بحيث تمكن 16 مليونا في العالم العربي والإسلامي من استخدام الشبكة بلغتهم الأم. وهو ما يطور اللغة ومحتوى الشبكة في آن.

  أتيح لي أن أتعرف عن قرب على صاحب مكتوب عندما دعاني لأكون أول مدون عندما أُطلقت خدمة التدوين. وعلى كسلي في التدوين وانشغالي في الصحافة التقليدية مرئية ومكتوبة إلا أنني مدين لمكتوب بهذه المساحة التي تفاعلت فيها مع أشخاص ومجتمعات لم أكن لأصل إليهم ويصلون إلي لولا التدوين. وفي المدونات ارتفع سقف الحريات وتمكنت أجيال من امتلاك أدوات تعبير مجانا كانت عاجزة عن استخدامها بفعل الحواجز الاقتصادية واللغوية.

  في مكتوب لا تجد المكان البسيط يكتظ بمستشارين أجانب، تجد جيلا شابا تخرجت أكثريته في المدارس والجامعات الأردنية. ببساطة حلوا المعادلة المعقدة كيف “نملك ونكون” فامتلاك التقانة والعلوم لا يعني أن لا نكون ونتخلى عن ذواتنا وهويتنا. وأحسب أن هذه هي الصفقة الكبرى والتي نحتاج إلى المزيد منها.

  وفي إيقاد الشموع بدلا من لعن الظلام علينا أن نسجل أن  مخرجات  النظام التعليمي الأردني قياسا على محيطنا العربي  ظلت الأفضل إلى الآن. ففريق مكتوب من الباب إلى المحراب هم خريجو النظام التعليمي الأردني. والتحدي كيف نحافظ على تقدمنا النسبي ونمنع الانهيار، خصوصا أن غيرنا وخصوصا في الخليج استفاد من عوائد النفط في تطوير نظامه التعليمي.

    بعيدا عن قصص النجاح الوهمية وسحب الأفلام وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية  قدم شباب أردنيون قصة نجاح. ليس سميح وحده بل كل فريق مكتوب. والأمل أن نستفيد أكثر من “استعمار” ياهو  التي سلبت خيراتنا التقنية. وأنا  مدين لهذا الاستعمار بأول بريد لكتروني: [email protected]

هل تريد التعليق؟