مقالات

الاستقلال

     نتعامل مع المناسبات بعادية، لا بدعائية ولا بعدائية؛ فالأردن ليس الجزائر التي قدمت مليون ونصف شهيد طلبا للاستقلال. وفي الوقت ذاته، فإن حفل استقلاله لا يعني حفل استقلال الدولة العبرية التي قامت على أنقاض شعب آخر. مثلنا مثل أي شعب آخر يحتفل باستقلاله. فالدولة القطرية ليست نقيض الدولة القومية، بل هي لبنة من لبناتها، والافتخار بفرد من أفراد العائلة لا ينتقص من العائلة الجامعة أو أي من أفرادها.

    المشكلة في التعامل الدعائي، الذي يعرض المواطن إلى الإصابة بجنون العظمة وجنون البقر، فيخال أن الأردن دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وأقله من الدول الصناعية الثماني، وهو ما تقترفه وسائل الإعلام الرسمية! أما التعامل العدائي، فهو ما تتورط فيه أكثرية المعارضة، أو على الأقل كانت تتورط فيه. والعدائية لا تكون بالتهجم بقدر ما تكون بالتجاهل.

     الاهتمام بالاستقلال جزء من الاهتمام بالتاريخ، باعتباره مكونا أساسيا من مكونات الشخصية الوطنية، فلا يمكن أن يكون المواطن منتميا وواعيا بمواطنته دون معرفة تاريخ وطنه. وما ينطبق على البلدان الصغيرة ينطبق على البلدان الكبيرة، فلا يوجد أميركي لا يعرف “فورث أوف جولاي”. لكن من يعرف تاريخ استقلال الأردن؟

     استقلال الأردن لا يعني تقسيم الأمة العربية، تماما كما لم يعن استقلال “لوكسمبورغ”، أصغر بلد أوروبي، نهاية الاتحاد الأوروبي. ولو أن اتحادا عربيا قام، فإن ذلك لا يمنع من الاحتفال بذكرى استقلال جزر القمر؛ سيكون الأمر مثل الاحتفال بعيد الزواج وعيد ميلاد أصغر أفراد العائلة.

     أسوأ ما في احتفالات الاستقلال أنك لا تجد اهتماما يذكر بالمكان الذي أعلن فيه الاستقلال! فمبنى مجلس الأمة القديم كان من المفترض أن يتحول إلى متحف الحياة السياسية، إلا أنه لا يزال منسيا، وقد وضعت عليه لافتة “المركز الإعلامي الأردني”. ومع أن المركز قام بدفع مبلغ من موازنته لتجديد القاعة، إلا أن المطلوب الحفاظ على هوية المبنى ضمن أصول المتاحف وعمليات الترميم. والمفارقة أن مبنى مجاورا، لا قيمة تاريخية له، دفع عليه أضعاف المبلغ لتجديده، وهو في أحسن الأحوال، يستخدم صالة لإقامة الولائم، وما دفع لتجديده (لا ترميمه) كاف لإقامة متحف مشابه لمتحف الحقوق المدنية في أميركا.

      مبنى مجلس الأمة القديم لم يشهد استقلال الأردن فقط، بل شهد الاتحاد الهاشمي مع العراق، وأقسم فيه الملك فيصل الثاني؛ أي أنه شهد محاولتين وحدويتين: وحدة الضفتين ووحدة الأردن والعراق. ومن المفترض أن نتعلم بعد هذه العقود أن استقلال الأردن لم يعن بحال قطرية أو انعزالية، وأن الهوية الوطنية لا تعني العنصرية والشوفينية.

     في ذكرى الاستقلال يجب أن نتذكر أن الحفاظ على الدولة القطرية يغدو مطلبا قوميا في ظل حال التشظي والانقسام، وأن الاحتفال بالاستقلال يعني، بالدرجة الأولى، الحفاظ على الوحدة الوطنية، وقبلها الحفاظ على الديموقراطية.

هل تريد التعليق؟